تفسير قوله تعالى: (وكتبنا له في الألواح من كل شيء)
ثم قال تعالى: ﴿وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ﴾ [الأعراف: ١٤٥].
((وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلاً لكل شيء))، يعني: من الحلال والحرام.
((فخذها بقوة)) أي: بعزم على العمل بما فيها، يعني: خذ الألواح وخذ الشريعة بقوة، كما قال تعالى: ﴿خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ﴾ [البقرة: ٦٣]، يعني: تمسكوا به، واعزموا على العمل بما فيه.
((وأمر قومك يأخذوا بأحسنها)) أي: يأخذوا بأحسنها الذي أمروا به دون ما نهوا عنه.
((سأريكم دار الفاسقين)) وهي الأرض التي وعدوا بها من فلسطين، فإنهم لم يعطوها إلا بعد أربعين سنة من خروجهم من مصر، وبقائهم في البرية، كما قال تعالى: ﴿فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ﴾ [المائدة: ٢٦]؛ فإن موسى عليه السلام لما مات خلفه يوشع بن نون، فحارب الأمم والملوك الذين كانوا يسكنون أرض كنعان، وفتح بلادهم، وصارت ملكاً لبني إسرائيل، والكنعانيون هم الفلسطينيون، فالعبرة في الانتماء في كل الأزمنة المختلفة في مثل هذه المواقع هي: من هم أهل الإيمان والتوحيد وأهل الإسلام، فمثلاً: في سورة البقرة قصة جالوت وطالوت، وداود عليه السلام، قال عز وجل: ﴿وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ﴾ [البقرة: ٢٥١]، وجالوت كان من الفلسطينيين؛ لأنهم لم يكونوا على التوحيد، فكان الحق مع بني إسرائيل، وكذلك نحن في هذا الزمان؛ فلو بعث موسى عليه السلام فإنه سيكون مع المسلمين؛ لأنهم هم أهل العقيدة الصحيحة، ولو بعث سليمان عليه السلام فلن يسعى إلى إعادة بناء الهيكل؛ لأن بيت المقدس الآن هو مكان يعبد فيه الله سبحانه وتعالى، وسليمان إذا بعث سوف يكون تابعاً لشريعة محمد عليه الصلاة والسلام، ويدخل في دين الإسلام، كما قال عليه الصلاة والسلام: (لو كان موسى حياً ما وسعه إلا أن يتبعني)، أي: ما كان يجوز له أبداً إلا أن يتبع النبي صلى الله عليه وسلم، بل عيسى عليه السلام حينما يأتي في آخر الزمان سيحكم بشريعة محمد عليه الصلاة والسلام، ويصلي خلف المهدي إماماً أول ما ينزل.
ولو بعث علي عليه السلام هل سيكون معنا أم مع الشيعة الذين يزعمون حبه والتشيع له؟
ﷺ قطعاً سيكون مع أهل السنة، فكذلك لو بعث موسى وعيسى وسليمان وجميع أنبياء بني إسرائيل سوف ينحازون إلى أهل التوحيد وأهل الإسلام، ويحاربون من يزعمون أنهم على ملتهم ظلماً وزوراً.
ويدل قوله: ((وكتبنا)) على أنه أعطاه التوراة مكتوبة في الألواح عند الميقات، فموسى عليه السلام أعطي التوراة مرة واحدة مكتوبة في الألواح التي آتاها الله عز وجل لموسى؛ لتكون محروسة، وليبلغه الحاضرون إلى الباقين، وليقع لهم العلم ضرورة، وهذا يدل على أن في التوراة شرائع ما يحتاج إليه.
ويدل قوله: ((بقوة)) على أن العبد قادر على الفعل، وأنه يفعل بقدرة.


الصفحة التالية
Icon