تفسير قوله تعالى: (إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم)
ثم قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ﴾ [الأعراف: ١٥٢].
يعني: من افترى بدعة فإن ذل البدعة ومخالفة الرسالة على كتفيه، وفي الحديث الشريف عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: (وجعلت الذلة والصغار على من خالف أمري)، فبقدر مخالفة أمر النبي عليه الصلاة والسلام يصيب الإنسان ذل وصغار، فكلما خالفت هديه وقع عليك من الذل ما يوافق حجم هذه المخالفة التي ارتكبتها، فمن خالف أمره بالكفر فيكون حظه من الذل أعظم، وهكذا.
قال الحسن البصري: إن ذل البدعة على أكتافهم، وإن هملجت بهم البغال وطقطقت بهم البراذين.
وهكذا روى أيوب عن أبي قلابة الجرمي أنه قرأ هذه الآية: (وكذلك نجزي المفترين) فقال: هي والله لكل مفترٍ إلى يوم القيامة.
وقوله: ((كذلك)) معناه أنها ليست خاصة بهم.
وقوله: ((إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا))، بين تعالى أن هذه سنة مطردة من سنن الله: ((وكذلك نجزي المفترين))، فإن كل من افترى على الله، وكل من ابتدع في دين الله عز وجل لابد أن يعاقب بهذه المذلة، ولذلك قال سفيان بن عيينة: ليس من صاحب بدعة إلا وهو يجد ذلة تغشاه، وتلا: ((إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا))، فقيل له: هذه في بني إسرائيل أصحاب العجل، فرد عليهم بقوله تعالى: ((وكذلك نجزي المفترين)).
فقوله: (وكذلك) إشارة إلى تعميم هذه العاقبة لكل من افترى على الله الكذب وابتدع في دين الله سبحانه وتعالى، وهذا كما قال عز وجل: ﴿وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ﴾ [الأنبياء: ٨٧ - ٨٨]، ثم قال: ﴿وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأنبياء: ٨٨]، ففي هذا إشارة إلى أن من فعل مثلما فعل موسى ودعا بدعاء يونس عليه السلام فإن الله ينجيه؛ لأنه سبحانه قال: ((وكذلك ننجي المؤمنين)).