سهولة الاهتداء إلى الدين الحق
أخرج مسلم عن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده! لا يسمع بي رجل من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لم يؤمن بي إلا دخل النار)، وهذا يشمل الرجل والمرأة.
والأمة هنا المقصود بها: أمة الدعوة، فكل من بلغه أن محمداً عليه الصلاة والسلام قد بعث يجب عليه وجوباً متأكداً، بل هذا أوجب من أي شيء آخر في حياته، أن يتحرى ويجتهد، ولا يقال: اجتهد فلان فوصل في اجتهاده إلى أن محمداً ليس رسول الله، فيكون معذوراً في ذلك، بل يجب عليه الاجتهاد أولاً، ويجب عليه أن يصيب الحق ثانياً؛ لأن أدلة صدق نبوة النبي محمد ﷺ لا يحتمل فيها أن من تحراها يخطئ؛ لشدة وضوحها وظهورها؛ بحيث إنه يطالب بالاجتهاد في البحث عن الحق، ثم ثانياً يجب عليه أن يصل إلى الحق؛ لأن أدلته أوضح من الشمس في رابعة النهار، ولا يمكن أن يشك عاقل أبداً إذا أعمل عقله وكان مخلصاً في البحث عن الحق في أن محمداً رسول الله ﷺ حقاً وصدقاً، وإنما آفة القوم الحسد؛ فإنهم يعرفون أنه رسول من عند الله، ثم يتكبرون عن الانقياد للمسلمين أو الانقياد لشريعته عليه الصلاة والسلام، كما قال عز وجل: ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا﴾ [النمل: ١٤]، وإما أنهم يعرضون عن تحري مثل هذه القضية.
وإذا راجعنا الحديث الذي فيه سؤال القبر: (أما الكافر فيقال له: ما تقول في هذا الرجل؟ فيقول: ها ها! سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته) فهذا غاية ما عنده أنه سمع الناس يقولون شيئاً على النبي عليه السلام فردد خلفهم كالببغاء دون أن يعقل هذا الكلام، ودون أن يتحرى صدق هذا الكلام، في حين أننا نلاحظ أن هؤلاء القوم انقطعوا لخدمة الدنيا كأنها إلههم ومعبودهم من دون الله سبحانه وتعالى، ففي أمور الدنيا نجد أن هناك من يعمل رسالة دكتوراه بأحسن طريقة في أمور تافهة، فهذا يعمل رسالة دكتوراه في تكوين قشر السمكة، وهذا في نشاط الغدة الفلانية، أو في كذا أو كذا من الأمور، وينفق عمره وماله ووقته وجهده في تحري هذه الدقائق، ثم يعرف أسماء جميع فرق الكرة ولاعبيها، وهذا الدوري حصل كذا، والأولمبي الفلاني غلب الفلاني، والنادي الفلاني عمل كذا! ويعرف أسامي وأنواع السيارات، وأنواع الخشب، وأنواع القماش، وأنواع الملابس، وأنواع الأشجار والأسماك، ولا يعرف لماذا خلق! ولا يعرف ربه الذي خلقه! فهل هذا المخلوق إذا أراد أن يبحث عن الحق يجد هناك سلاسل ستقيده؟!
ﷺ لا؛ بل الحق موجود، والقرآن موجود ومحفوظ، كما وعد الله: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر: ٩]، فلم يحصل فيه تحريف، ولا يقوى أحد أن يغير حرفاً واحداً من القرآن الكريم، وهكذا سنة النبي عليه الصلاة والسلام لم تندثر؛ بل من أراد أن يعرف هدي محمد عليه الصلاة والسلام ليتبعه كما أمر هنا: (واتبعوه لعلكم تهتدون) فإنه يستطيع أن يصل بغاية السهولة.