الأمور التي يستدل بها على صحة النبوة
وقد سبق من قبل أن بينا الاستدلال على صدق نبوة النبي صلى الله عليه وسلم، وقلنا: إن الاستدلال على صحة النبوة يقوم على أمور خمسة: الأمر الأول: الصفات الشخصية لصاحب الرسالة؛ فإن الأنبياء لهم صفات لا يشركهم فيها غيرهم من البشر، فهناك صفات خاصة بالأنبياء عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام، تتعلق بنسبهم وبملامحهم الخلقية: قوة البدن، وسلامة الحواس، وجمال الصورة، وشرف النسب وغير ذلك من الصفات التي يختص بها الأنبياء، لذلك لما سمع عبد الله بن سلام -وكان كبير اليهود وعالمهم الأكبر في المدينة- بوصول النبي ﷺ أسرع إليه، فماذا كان تعليقه أول ما رأى النبي عليه الصلاة والسلام؟ قال: (فلما رأيته علمت أن وجهه ليس بوجه كذاب)، عليه الصلاة والسلام، كما قال بعض الشعراء: كانت بديهته تأتيك بالخبر أي: حتى لو لم يكن معه من الآيات سوى شكله فإن من يراه يعرف أن هذا لا يمكن أن يكذب على الله سبحانه وتعالى، بل لابد أن يكون صادقاً فيما يقول عليه الصلاة والسلام.
فصفات الأنبياء البدنية والخلقية والخلقية ونسبهم وملامحهم وتكوين أجسادهم تكون في أكمل الحالات في كل هذه الخصال.
الأمر الثاني: الآثار؛ لأن الأنبياء يتركون بصمات وآثاراً في الدنيا لا تشتبه بآثار غيرهم من المصلحين؛ فالأنبياء حينما يوجدون في أمة من الأمم أو في عصر من العصور يتركون من الآثار ما يدل على أن الله سبحانه وتعالى أيدهم ونصرهم، وأي عاقل لا يمكن أن يتصور أن يكون رسول كمحمد عليه الصلاة والسلام يمكنه الله سبحانه وتعالى هذا التمكين، وينشر دينه في الآفاق، ويظهر في كل الأزمان والأعصار بهذه الصورة، ثم يكون مع ذلك كاذباً، بل سنة الله سبحانه وتعالى أنه يفضح كل من ادعى النبوة كاذباً، ويجعلهم آية لمن يعتبر، كما فعل بغلام أحمد القادياني وبـ مسيلمة الكذاب وغير هؤلاء من المتنبئين، فلا بد أن يظهر الله فضيحتهم، وهذه سنة من الله ماضية؛ حتى لا يلتبس الحق بالباطل، فـ مسيلمة تسمى برحمان اليمامة، وادعى النبوة، وسمع أن الرسول عليه الصلاة والسلام بصق في بئر ففاض ماؤها، وبورك في مائها، فذهب هو إلى بئر فبصق فيها فغار ماؤها، فهذه لا تسمى كرامة، إنما تسمى إهانة، وهي خرق للعادة، لكن يقصد بها إهانته، وكذلك لما وجد النبي عليه الصلاة والسلام يمسح على رأس الغلمان ذهب ليمسح على شعر صبي فسقط الشعر من على رأسه، حتى لما حاولوا أن يستجيبوا للتحدي ويأتوا بقرآن مثل القرآن ما استطاعوا أن يتخلصوا من أسر القرآن، وما استطاع أحد أن يبتكر أسلوباً جديداً، لكن كان دائماً يحاول أن يحاكي القرآن، فكان يأتي بأمور مضحكة، كقوله: يا ضفدع بنت ضفدعين، نقي كما تنقين، أعلاك في الماء وأسفلك في الطين! إلى آخر هذه الكلمات المعروفة التي يضحك منها العقلاء إذا سمعوها، فجعلهم الله ضحكة للعقلاء.
وغلام أحمد القادياني أهانه الله سبحانه وتعالى في آخر لحظات حياته، وأظهر كذبه فيما كان يدعيه من أنه لن يموت إلا بعد كذا وكذا من السنوات إلى آخره، فالسنة ماضية من الله تعالى أنه لا يمكن أن يلتبس المحق بالمبطل والصادق بالكاذب.
فمن صفات صاحب الرسالة: الآثار التي يتركها في الأرض، وبالذات نحن المسلمين لا يوجد أبداً نبي أيد بهذه الصفة مثلما أيد نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم، فمثلاً: انظر في آثار النبي عليه الصلاة والسلام في الصحابة الذين تربوا على يديه مباشرة رضي الله تعالى عنهم، وانظر كيف كانوا رجالاً ونساءً بل صبياناً وأطفالاً، فقد كانوا جبالاً تمشي على الأرض أو بحاراً من العلم تمشي على الأرض، والرجل الواحد منهم صار أمة في ذاته في كل أبواب الخير، فالصحابة رضي الله تعالى عنهم كانوا عمالقة وجبالاً، ثم تأمل في التابعين وتابعي التابعين، وتأمل في سير الصالحين والحكام العادلين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، كالخلفاء الراشدين وعمر بن عبد العزيز، وتأمل أخبار العباد والصالحين، وكل هذا ما هو إلا من آثار بعثته صلى الله عليه وسلم.
وتأمل العدل مع الخصوم، وانظر إلى المسلمين لما سادوا العالم كيف رفقوا بالأمم ورحموها، وأحسنوا إلى الناس، واتقوا الله سبحانه وتعالى فيهم، وكل هذه المحاسن التي هي محاسن الإسلام في الناحية العملية التطبيقية والعملية النظرية كلها من آثار بعثته الشريفة صلى الله عليه وسلم.
الأمر الثالث الذي يستدل به على نبوة النبي: المعجزات التي أيده الله بها.
الأمر الرابع: البشارات، والبشارات هي إخبار الأنبياء السابقين ببعثة من يأتي بعدهم.
الأمر الخامس: النبوءات، وهي: الإخبار عن أشياء تقع في المستقبل ثم تقع تماماً كما أخبر، وهذا مما عندنا فيه مئات من البشارات التي أخبر بها النبي ﷺ بصورة مقطوع بها، فوقعت كما أخبر، وما لم يقع حتى الآن سوف يقع بإذن الله، كما قال عز وجل: ﴿وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ﴾ [ص: ٨٨].