تفسير قوله تعالى: (قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا)
قال تعالى: ﴿قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ﴾ [البقرة: ٧٠] يعني: أسائمة هي أم عاملة؟ أتشتغل في الحرث أم لا؟ ﴿إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا﴾ [البقرة: ٧٠] أي: البقر المنعوت بما ذكر، ((تَشَابَهَ عَلَيْنَا))، لكثرته؛ فلم نهتد إلى المقصود.
﴿وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ﴾ [البقرة: ٧٠]، إليها، وفي الحديث: (لو لم يستثنوا لما بينت لهم آخر الأبد)، وهذا الحديث أخرجه الطبري بإسناد منقطع عن ابن جريج وقتادة السدوسي عن النبي صلى الله عليه وسلم، وروي متصلاً.
فهم في هذه المرة تأدبوا مع الله وقالوا: وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ، فنفعتهم.
﴿قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ﴾ [البقرة: ٧١] يعني: غير مذللة بالعمل، ﴿تُثِيرُ الأَرْضَ﴾ [البقرة: ٧١] أي: لا تثير الأرض؛ فهي بقرة معززة مكرمة لا تشتغل بالحرث، ولا تسقي الحرث، وكلمة (لا) هنا تنفي الاثنين، الذل وإثارة الأرض، يعني: هي معززة مكرمة، لا تعمل في الحرث ولا الزراعة.
(قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ)، ما لها؟ (لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ)؛ لأن التي تثير الأرض تكون مذللة بالعمل، فهذه البقرة لا تثير الأرض، أي: لا تقلبها للزراعة، والجملة (تثير الأرض) صفة لذلول داخلة في النفي أي: لا تعمل في حراثة الأرض.
﴿وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ﴾ [البقرة: ٧١]، المقصود بالحرث الأرض المهيأة للزراعة، فهي لا تسقي الأرض المهيأة للزراعة.
﴿مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيهَا﴾ [البقرة: ٧١]، (مسلمة) يعني: من العيوب وآثار العمل، ((لا شِيَةَ فِيهَا)) يعني: لا لون آخر فيها، ولا يخالط لونها الأصفر الفاقع أي لون آخر.
﴿قَالُوا الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ﴾ [البقرة: ٧١]، انظر إلى سوء الأدب مع نبيهم عليه السلام، وكأنه من قبل لم يأت به! (قَالُوا الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ)، يعني: نطقت بالبيان التام.
فطلبوها فوجدوها عند الفتى اليتيم المقيم مع أمه فاشتروها بملء مسكها ذهباً، والمسك هو الجلد.
﴿فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ﴾ [البقرة: ٧١] يعني: وما كادوا يفعلون بسبب غلاء ثمنها.
وفي الحديث يقول عليه الصلاة والسلام: (لو ذبحوا أي بقرة كانت لجزأتهم، ولكن شددوا على أنفسهم؛ فشدد الله عليهم).


الصفحة التالية
Icon