تفسير قوله تعالى: (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ونعم النصير)
ثم قال تعالى: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ﴾ [الأنفال: ٣٩ - ٤٠].
((وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة)) فتنة: فاعل؛ لأن (كان) هنا تامة، لأنها إذا أتت بمعنى الوجود والحصول تكون تامة، ونظير هذه الآية قوله تعالى: ﴿وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ﴾ [البقرة: ٢٨٠]، فذو هنا فاعل؛ لأن كان تامة.
((حتى لا تكون فتنة)) أي: شرك أو إضلال لغيرهم وفتن منهم للمؤمنين عن دينهم، أو أن قوله: ((حتى لا تكون فتنة)) يعني: حتى لا تبقى فتنة، وحتى لا يبقى على وجه الأرض من يكفر بالله سبحانه وتعالى، وهذه هي غاية الجهاد.
((ويكون الدين كله لله)) أي: حتى يخلص التوحيد لله، فلا يعبد غيره سبحانه وتعالى.
((فإن انتهوا)) يعني: عن الكفر والمعاصي ظاهراً.
((فإن الله بما يعلمون بصير)) يعني: بما يعملون ببواطنهم بصير، وهذا كقوله عليه الصلاة والسلام: (فإن فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله)، أي: في البواطن؛ لأن البواطن لا نستطيع أن نطلع عليها، لكن نقبل منهم ما يظهرون.
فقوله: ((فإن انتهوا فإن الله بما يعلمون بصير)) يعني: سيجازيهم، وعليه حسابهم، فكفوا عنهم وإن لم تعلموا ببواطنهم، واقبلوا منهم ما يظهرون، وهذا كقوله تعالى: ﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ﴾ [التوبة: ٥]، وفي الآية الأخرى: ﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ﴾ [التوبة: ١١].
وفي الصحيحين عن رسول الله ﷺ أنه قال: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله عز وجل).
وفي الصحيح: (أن أسامة لما علا ذلك الرجل بالسيف فقال: لا إله إلا الله، فضربه فقتله، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لـ أسامة: أقتلته بعد ما قال: لا إله إلا الله؟! فكيف تصنع بلا إله إلا الله يوم القيامة؟! فقال: يا رسول الله! إنما قالها تعوذاً، فقال: هلا شققت عن قلبه؟ وجعل يكرر عليه: كيف تفعل بلا إله إلا الله يوم القيامة؟ قال أسامة: حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت إلا يومئذٍ)، يعني: من شدة غضب النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليه.
وقيل: ((ويكون الدين كله لله))، أي: حتى يكون الخضوع كله لله.
ثم قال تعالى: ﴿وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ﴾ [الأنفال: ٤٠].
فقوله: ((وإن تولوا)) يعني: إن أعرضوا عن الإيمان ولم ينتهوا عن الشرك.
وقوله: ((فاعلموا أن الله مولاكم)) يعني: أن الله ناصركم ومعينكم، فثقوا بولايته ونصرته.
وقوله: ((نعم المولى)) أي: فلا يضيع من تولاه.
وقوله: ((ونعم النصير)) أي: فلا يُغلَبُ من نصره.