تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله)
حرض الله تعالى على قتال الكفرة إثر بيان قبائحهم الموجبة لذلك، وأشار إلى توجه العتاب والملامة على المتخلفين عنه، فقال سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ﴾ [التوبة: ٣٨] أي: تثاقلتم وتباطأتم، والاستفهام في قوله: (مالكم) للتوبيخ والإنكار.
(اثاقلتم إل الأرض) كلمة (اثاقلتم) تضمنت معنى الميل إلى الأرض والإخلاد إليها.
أي: اثاقلتم مائلين إلى الدنيا وشهواتها الفانية، وكرهتم مشاق الغزو، وملتم إلى الراحة الخالدة؛ كقوله تعالى: ﴿أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ﴾ [الأعراف: ١٧٦] أو اثاقلتم مائلين إلى الإقامة بأرضكم ودياركم.
وكان ذلك في غزوة تبوك في سنة تسع بعد رجوعهم من الطائف، حيث استنفروا لغزو الروم في وقت عسرة وقحط وقيظ، حين طابت الثمار والظلال، ومع بعد الشقة وكثرة العدو؛ فشق عليهم، قال الله: ﴿أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [التوبة: ٣٨] أي: الحقيرة الفانية، والدنيا مأخوذة من الدناءة.
(من الآخرة) (من) هنا بمعنى: بدل الآخرة.
ويوجد في القرآن الكريم استعمال كلمة (من) بمعنى بدل، وهو استعمال شائع موجود، كما في سورة الزخرف: ﴿لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الأَرْضِ يَخْلُفُونَ﴾ [الزخرف: ٦٠] أي: لجعلنا بدلكم ملائكة في الأرض يخلفون، فكذلك هنا (أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة) أي: بدل الآخرة ونعيمها الدائم.
(فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة) كلمة (في) هي التي تسمى (في) القياسية؛ لأن المقيس يوضع بجنب ما يحاط به.
(إلا قليل) أي: مستحقر لا يؤبه له.
وروى الإمام أحمد ومسلم عن المستورد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما الدنيا في الآخرة إلا كما يجعل أحدكم إصبعه هذه في اليم، فلينظر بما ترجع! وأشار بالسبابة).


الصفحة التالية
Icon