تفسير قوله تعالى: (لو كان عرضاً قريباً وسفراً قاصداً لاتبعوك)
صرف الله تعالى الخطاب عن المتخلفين، ووجهه إلى رسول الله ﷺ معدداً لما صدر عنهم من الإهانات قولاً وفعلاً، ومبيناً لدناءة هممهم في هذا الخطب، فقال عز وجل: ﴿لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ [التوبة: ٤٢].
(لو كان عرضاً قريباً) يعني: لو كان هذا الذي تدعوهم إليه عرضاً قريباً ونفعاً سهل المأخذ، (وسفراً قاصداً) أي: سفراً وسطاً ليس كهذا السفر البعيد إلى تبوك؛ (لاتبعوك)، لا لأجلك ولكن لموافقة أهوائهم، (ولكن بعدت عليهم الشُقة) أو (الشِقة) قرئ بالضم وبالكسر، يعني: بعدت عليهم الناحية التي ندبوا إليها، وسميت الناحية التي يقصدها المسافر الشقة؛ للمشقة التي تلحقه في الوصول إليها، والناحية التي يقصدها المسافر غالباً تكون بعيدة، ولذلك هذه الناحية التي تقصدها تسمى الشقة، مأخوذة من المشقة التي تلحقه في الوصول إليها.
(وسيحلفون بالله): هؤلاء المتخلفون عن غزوة تبوك (سيحلفون بالله) (بالله) متعلق بكلمة (سيحلفون) يعني: سيحلفون بالله أو سيحلفون قائلين: بالله، يعني: كأنه من جملة كلامهم يعني: سيحلفون عند رجوعك من غزوة تبوك معتذرين بالعجز ويقولون: بالله لو استطعنا لخرجنا معكم إلى تلك الغزوة.
ثم بين تعالى أن هذه الدعوى الكاذبة والحلف لا يفيدانهم؛ لأن المنافق دائماً من شأنه الاستجنان بالأيمان الكاذبة ويتخذها جنة ووقاية يحتمي وراءها.
(يهلكون أنفسهم) أي: بهذا الحلف والمخالفة ودعوى العجز.
(والله يعلم إنهم لكاذبون)؛ لأنهم بالفعل كانوا يستطيعون الخروج مع النبي صلى الله عليه وسلم.