تفسير قوله تعالى: (لكن الرسول والذين آمنوا معه)
ثم بين تعالى ما للمؤمنين من الثناء الحسن والمثوبة الحسنى ضد أولئك، فقال عز وجل: ﴿لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [التوبة: ٨٨] يعني: إن تخلف هؤلاء المنافقون عن الجهاد وعن الغزو، فقد توجه إليه من هو خير منهم وأخلص نية واعتقاداً، (لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم) إلى آخره، وهذا من باب قوله تبارك وتعالى: ﴿فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ﴾ [الأنعام: ٨٩]، أو من باب قوله تعالى: ﴿فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ﴾ [فصلت: ٣٨] إلى آخره.
((لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ)) يعني: في سبيل الله؛ لغلبة حب الله عليهم على حب الأموال والأنفس.
((وَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ))، اختلف في قوله تعالى: (وأولئك لهم الخيرات) فمن نظر إلى قوله تعالى: ﴿فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ﴾ [الرحمن: ٧٠] قال: إن الخيرات هنا جمع خيرة، وهن الحور العين يعني: النساء الحسان، ويقال: هي خَيْرة النساء، أصلها خيَّرة، فخفف مثل: هيِّنة وهَيْنة، أو هن الفاضلات من كل شيء، أو يكون معنى: (لهم الخيرات) هي غنائم الدنيا ومنافع الجهاد، وبعض المفسرين رجحوا أن قوله تعالى: (وأولئك لهم الخيرات) يعني: منافع الدارين جمع خير؛ قالوا: لأن اللفظ مطلق، فلا ينبغي تقييده بشيء واحد فقط، مثل الحور العين أو كذا، بل المقصود: الخيرات سواء في الدنيا أو الآخرة، فلهم جميع منافع الدارين من النصر والغنيمة في الدنيا، والجنة والكرامة في العقبى.
(وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) أي: الفائزون بالمطلوب، وقد حكي عن ابن عباس أنه قال: إن الخير لا يعلم معناه إلا الله، فلا ينبغي تقييد الخير هنا، بل يطلق ولا يعلم معناه في الحقيقة إلا الله سبحانه وتعالى؛ لأنه عز وجل قال في حق أهل الجنة: ﴿فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [السجدة: ١٧].
ثم قال الله: ﴿أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [التوبة: ٨٩] يعني: الذي لا فوز وراءه.
ثم بين تعالى أحوال منافقي الأعراب إثر بيان منافقي أهل المدينة، فالآيات الماضية في حق منافقي المدينة، والآن يبدأ الكلام على منافقي الأعراب، فقال عز وجل: ﴿وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [التوبة: ٩٠].