حكم الصلاة على غير الأنبياء استقلالاً
قوله تعالى: ((وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ)) استدل بها على ندب الدعاء للمتصدق، وأن الإمام يستحب له أن يدعو للشخص المتصدق، قال الشافعي رحمه الله تعالى: السنة للإمام إذا أخذ الصدقة أن يدعو للمتصدق ويقول: آجرك الله فيما أعطيت، وجعله طهوراً، وبارك لك فيما أبقيت، وقال آخرون: يقول: (اللهم صلِّ على فلان)، ويدل عليه ما روي عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه -وكان من أصحاب الشجرة- أنه قال: (كان النبي ﷺ إذا أتاه قوم بصدقة قال: اللهم صلِّ عليهم، فأتاه أبي بصدقته، فقال: اللهم صلِّ على آل أبي أوفى) متفق عليه.
قال ابن كثير: وفي الحديث الآخر أن امرأة قالت: (يا رسول الله! صل علي وعلى زوجي، فقال: صلى الله عليك وعلى زوجك)، وبهذين الحديثين رد على من زعم أن المراد بصل عليهم: أي: إذا ماتوا، بل هذا الحديث يدل على أن موضع هذه الصلاة عند بذل الصدقات، ولذلك قال الفقهاء: يسن للإمام إذا أُعطي الصدقات أن يدعو لمن بذلها.
ودلت الآية -كالحديثين- على جواز الصلاة على غير الأنبياء استقلالاً، وهذه من المسائل المختلف فيها، فهل يجوز أن يقال في حق غير الأنبياء: فلان صلى الله عليه؟ يؤخذ من الآية: أنه يجوز ذلك، أما إذا جاءت على سبيل التبعية، فلا شيء فيها ولا خلاف، كما تقول: صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، فهنا صليت على الآل وعلى الصحب وعلى التابعين بإحسان، لكن ليس استقلالاً، بل على سبيل التبعية، تبعاً للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
لكن
Q هل يجوز استقلالاً أن تقول: اللهم صلِّ على فلان وهو من غير الأنبياء؟ قال الرازي: روى الكعبي في تفسيره أن علياً رضي الله تعالى عنه قال لـ عمر رضي الله عنه وهو مسجى: عليك الصلاة والسلام، ومن الناس من أنكر ذلك.
ونقل عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: لا تنبغي الصلاة من أحد على أحد، إلا في حق النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم قال الرازي: إن أصحابنا يمنعون من ذكر: صلوات الله عليه، وعليه الصلاة والسلام، إلا في حق الرسول صلى الله عليه وسلم.
والشيعة يذكرونه في علي وأولاده، واحتجوا بأن نص القرآن دل على جوازه فيمن يؤدي الزكاة، فكيف يمنع في حق علي والحسن والحسين عليهم رضوان الله؟! قال: ورأيت بعضهم قال: أليس الرجل إذا قال: سلام عليكم يقال له: وعليكم السلام؟ فدل هذا على أن ذكر هذا اللفظ جائز في حق جمهور المسلمين، فالأولى بذلك آل البيت.
انتهى ما نقله الرازي.
ثم يعلق القاسمي -رحمه الله تعالى- قائلاً: إن المنع من ذلك -يعني: من الصلاة استقلالاً على غير الأنبياء- أدبي لا شرعي، وباب الآداب أوسع من باب المسائل الشرعية التي تنسب إلى الشرع، فباب الأدب يرجع إلى الكمالات النفسية، وأحياناً يرجع إلى الأعراف، ولا يطالب الإنسان في كل أدب أن يقيم الدليل الشرعي عليه، فباب الآداب يرجع فيه كثيراً إلى الأعراف.
ومثاله: إذا أتيت شخصاً وأنكرت عليه مضغ اللبان في الشارع وهو يمشي في الطريق، وكان ذلك مستهجناً في العرف، فلا يصح أن يطالبك بالدليل الشرعي؛ لأن هذه الآداب ترجع إلى أعراف الناس، ونحن ينبغي علينا أن نحترم العرف إلا إذا صادم دليلاً شرعياً.
فيقول القاسمي رحمه الله تعالى: إن المنع من ذلك، أدبي لا شرعي؛ لأنه صار في العرف دعاءً خاصاً به صلى الله عليه وسلم، وشعاراً له كالعلم للغلبة، فغيره لا يطلق عليه إلا تبعية له، ويقصد بالعرف هنا عرف العلماء، حيث صار هذا اللفظ لا يطلق إلا على النبي ﷺ استقلالاً، وعلى غيره بالتبعية، فهذا من الأعراف ومن الآداب اللفظية.
قال الرازي في سر كون صلاته ﷺ سكناً لهم: إن روح محمد عليه الصلاة والسلام كانت روحاً قوية مشرقة صافية باهرة، فإذا دعا لهم وذكرهم بالخير فاضت آثار من قوته الروحانية على أرواحهم؛ فأشرقت بهذا السبب أرواحهم وصفت أسرارهم.