تفسير قوله تعالى: (أم يقولون افتراه قل فائتوا بسورة مثله)
قال تعالى: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [يونس: ٣٨] هم لا يكتفون بالكفر بالقرآن الكريم بل يضيفون إلى ذلك ما هو أعظم وأفظع، حيث زعموا أن الرسول عليه الصلاة والسلام افتراه، ولذلك أضرب عنها بحرف الإضراب، فـ (أم) هنا كما يقول جمهور المفسرون: هي المنقطعة المقدرة ببل والهمزة، ومعنى الإضراب: بل أيقولون افتراه؟! والهمزة للإنكار، أي: ما كان ينبغي أن يقولوا: إنه افتراه.
وقيل: أيقرون به بعد ما بينا حقيقته أم يقولون افتراه، ((قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ)) أي إن كان الأمر كما تزعمون، فائتوا بسورةٍ مثله في البلاغة وحسن الصياغة وقوة المعنى، ليس هذا فحسب، بل قال لهم: ((وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)) أي: ادعوا من استطعتم من خلقه للاستعانة به على الإتيان بمثله إن صدقتم في ادعائكم أني اختلقته، فإنه لا يقدر على ذلك أحد، كما قال تعالى: ﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا﴾ [الإسراء: ٨٨].
قال أبو السعود: وإخراجه سبحانه من حكم الدعاء للتنصيص على براءتهم منه تعالى؛ لأنهم ليسوا من الله في شيء وليس الله منهم في شيء؛ لأنهم في شق والإسلام والقرآن في شق آخر مباين، فالله سبحانه وتعالى بريء منهم كما أنهم بريئون منه سبحانه وتعالى، فهم في جهة معادية ومضادة ومشاقة ومحادة لله سبحانه وتعالى، بحيث ليس لهم أن يقولوا نحن سندعو الله، لذلك قال لهم: ((قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)).


الصفحة التالية
Icon