تفسير قوله تعالى: (وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي)
قال تعالى: ﴿وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَاسَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [هود: ٤٤].
فيها إعلام بأنه لما غرق أهل الأرض ولم يبق ممن كفر بالله ديار استجابة لدعاء نوح عليه السلام، ﴿رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا﴾ [نوح: ٢٦] أمر الله تعالى الأرض أن تبلع ماءها الذي نبع منها، واجتمع عليها، وأمر السماء أن تقلع عن المطر، فنضب الماء، وقضي أمر الله بإنجاء من نجا وإهلاك من هلك، ولما أخذت المياه تتناقص وتتراجع إلى الأرض شيئاً فشيئاً، وظهرت رءوس الجبال، استقرت السفينة على الجودي، وهو جبل بالجزيرة قرب الموصل.
((وقيل بعداً)): مصدر منصوب بمقدر، أي: وبعدوا بعداً، والعرب يقولون ذلك إذا أرادوا البعد البعيد من حيث الهلاك والموت ونحوه، ولذلك اختص بدعاء السوء.
وبعداً له مثل: سحقاً أو جدعاً.
((للقوم الظالمين)) فاللام متعلقة بمحذوف، أو للبيان، أو متعلقة بقيل، أي: قيل لأجلهم هذا القول: بعداً للقوم الظالمين! لم يقل تعالى: وقيل بعداً لهم، أو بعداً للمغرقين وإنما قال: ((وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)) للإشعار بأن علة الإهلاك هي الظلم الذي تلبسوا به، ولتذكر ما سبق من قوله: ((وَلا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ)).


الصفحة التالية
Icon