تفسير قوله تعالى: (لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين)
قال عز وجل ﴿لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ﴾ [يوسف: ٧].
((لقد كان في يوسف وإخوته)) أي: في قصة وحديث يوسف وإخوته.
((آيات للسائلين)) أي: دلائل على قدرته تعالى وحكمته في كل شيء لمن سأل عن نبئهم، أو آيات على نبوته صلوات الله عليه لمن سأل عن نبئهم فأخبرهم بالصحة من غير تلق عن بشر؛ لأنه عليه الصلاة والسلام لم يتلق عن بشر ولم يأخذ عن كتاب، فلم يبق إلا أن مصدره هو الوحي المعصوم من الله سبحانه وتعالى.
(آيات للسائلين) أي: آيات معظمات لمن يسأل عن قصتهم ويعرفها.
أولاً: تدل هذه الآيات على أن الاصطفاء المحض أمر مخصوص بمشيئة الله تعالى، كما قال عز وجل: ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ﴾ [القصص: ٦٨] وقال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ﴾ [يوسف: ٦] أي: يصطفيك، وقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا﴾ [آل عمران: ٣٣] إلى آخره.
أي: أن الاصطفاء لا يتعلق بسعي ساع ولا إرادة مريد، فهذا محض فضل من الله سبحانه وتعالى، ليس أمراً مكتسباً.
ثانياً: الآية الأخرى المشار إليها في قوله: ((آيات للسائلين)) تدل على أنه إذا قضى الله سبحانه وتعالى أن يصيب عبده بخير فلا يمكن لأحد أن يمنع عنه هذا الخير أو يدفعه، وهناك جملة كبيرة من الآيات في القرآن الكريم تدل على ذلك، وكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعت على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف)، فإذاً من أراد الله به خيراً لا يمكن لأحد أن يدفع عنه هذا الخير، لا راد لقضائه سبحانه وتعالى، ومن عصمه الله لم يمكن لأحد أن يرميه بسوء ولا أن يقصده بشر، فيقوى يقينهم وتوكلهم.
فثمرة هذه القصة أن باستحضارها يقوى يقين المؤمنين وتوكلهم على الله سبحانه وتعالى، والعلم بأن كيد الشيطان وإغواءه أمر لا يأمن منه أحد حتى الأنبياء، فيكونون منه على حذر.
نعم الأنبياء معصومون من المعاصي، لكن الشيطان حريص على أن يكيدهم، من ذلك كيد الشيطان عن طريق التحريض لإخوة يوسف على أن يكيدوا يوسف عليه السلام.
أي هذه الآيات تطلعهم من طريق الفهم -الذي هو الانتقال الذهني- على أحوالهم في البداية والنهاية وما بينهما، وكيفية سلوكهم إلى الله، فتثير شوقهم وإرادتهم، وتكحل بصيرتهم وتقوي عزيمتهم.
أول السورة وهو غلام بريء يحكي لأبيه هذه القصة، ثم انظر في النهاية تجد العز والقدرة والتمكين: ﴿رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ﴾ [يوسف: ١٠١] إلى آخر الآية، مما يدل على أن العاقبة للمتقين.