تفسير قوله تعالى: (اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضاً)
قال تعالى: ﴿اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ﴾ [يوسف: ٩].
((اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضاً)) هذا من قولهم المحكي قبل، وإنما قالوا هذا لأن خبر المنام بلغهم، ويروى أنه قصه عليهم فتشاوروا في كيده، ولا نستطيع أن نجزم بأن يوسف عليه السلام أخبرهم، فالله أعلم.
وتنكير كلمة (أرضاً) وإخلاؤها من الوصف للإبهام، أي: اطرحوا يوسف في أرض مجهولة لا يعرفها الأب، ولا يمكن ليوسف أن يعرف طريق العودة إليه.
((يخل لكم وجه أبيكم)) هذا هو جواب الأمر كناية عن خلوص محبته لهم؛ لأنه يدل على إقباله عليهم بكليته، وعلى فراغه عن الشغل بيوسف فيشتغل بهم، لكن ما حصل هو العكس، فإن يعقوب عليه السلام حزن أشد الحزن لغياب يوسف.
((وتكونوا من بعده قوماً صالحين)) أي: من بعد الفراغ من قتله أو طرحه.
هذه حيلة الشيطان الدائمة، فهو إذا أراد أن يسوغ للإنسان المرور إلى منطقة محذورة، أو ارتكاب أي نوع من الشر أو التقصير أو المعاصي، فإنه يقول له: اعمل هذا الشيء هذه المرة، ثم إنك بعد ذلك ستتوب وستكون من الصالحين، فانظر كيف قال لإخوة يوسف: ((وتكونوا من بعده قوماً صالحين)) أي: تائبين إلى الله مما جنيتم، فيكون صلاحكم فداء عن معصية قتله أو طرحه.
أو ((وتكونوا من بعده قوماً صالحين)) أي: ستصلح دنياكم وتصلح أموركم بعده لخلو وجه أبيكم.
قال ابن إسحاق: لقد اجتمعوا على أمر عظيم من قطيعة الرحم، وعقوق الوالد، وقلة الرأفة بالصغير الذي لا ذنب له، وبالكبير الفاني ذي الحق والحرمة والفضل، وخطره عند الله مع حق الوالد على ولده ليفرقوا بينه وبين أبيه على كبر سنه ورقة عظمه، مع مكانه من الله، فيمن أحبه طفلاً صغيراً، وبين ابنه على ضعف قوته وصغر سنه وحاجته إلى لطف والده وسكونه إليه، يغفر الله لهم.
والعجيب أنهم أجمعوا واجتمعوا على كل هذه الكبائر.
قال ابن كثير: اعلم أنه لم يقم دليل على نبوة إخوة يوسف.
وذلك لأنه لا يمكن للأنبياء أن يرتكبوا هذه الكبائر الموبقة، لأن الأنبياء معصومون من مثل هذا.
ثم يقول: وظاهر هذا السياق يدل على خلاف ذلك، ومن الناس من يزعم أنه أوحي إليهم بعد ذلك، وفي هذا نظر، ويحتاج مدعي ذلك إلى دليل، ولم يذكروا سوى قوله تعالى: ﴿قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ﴾ [البقرة: ١٣٦] وهذا فيه احتمال؛ لأن بطون بني إسرائيل يقال لهم الأسباط، كما يقال للعرب قبائل، وللعجم شعوب: ﴿وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ﴾ [الحجرات: ١٣].
فيذكر تعالى أنه أوحى إلى الأنبياء من أسباط بني إسرائيل، فذكرهم إجمالاً؛ لأنهم كثيرون، ولكن كل سبط من نسل رجل من إخوة يوسف، ولم يقم دليل على أعيان هؤلاء أنهم أوحي إليهم، والله تعالى أعلم.