تفسير قوله تعالى: (فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابت الجب)
﴿فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ﴾ [يوسف: ١٥].
قال تعالى: ((فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ)) أي: بعد مراجعة أبيهم في شأنه ((وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ)) هذا فيه تعظيم لما لنيتهم التي نووها وأجمعوا عليه؛ لأنهم قالوا لأبيهم: سنأخذه كي يتمتع ويرتع ويلعب ويلهو ويسرح ويمرح، فأغروه بالإكرام وهم لا يريدون ذلك، بل بيتوا سوءاً وشراً.
((وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ)) (لتنبئنهم) هذه لام القسم، أي: أعلمناه بالإلقاء في روعه، أو بواسطة ملك، وهذا تبشير له بأنه سيتخلص مما هو فيه الآن، وسوف يحدثهم بما فعلوا به، وحصل ذلك حينما قال لهم: ﴿هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ﴾ [يوسف: ٨٩] * ﴿قَالُوا أَئِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ﴾ [يوسف: ٩٠].
((وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا)) أي: أوحينا إليه بخبرهم.
((وهم لا يشعرون)) إما متعلق بأوحينا إليه، إيناساً له وإجابة للوحي، أو أنها حال من الهاء في قوله: ((لتنبئنهم)) أي: لتحدثنهم بذلك وهم لا يشعرون أنك يوسف لعلو شأنك كما سيأتي في قوله تعالى: ﴿فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ﴾ [يوسف: ٥٨].
ولأنهم تركوك ذليلاً في الجب كي تسير رقيقاً وعبداً ذليلاً، فلن يتخيلوا أنك أنت الوزير الصالح الذي يكلمهم من أعلى المقامات، وأعلى الشأن، فهذا هو المعنى لقوله: ((لتنبئنهم بهذا بأمرهم هذا وهم لا يشعرون)).
وروي أنهم نزعوا قميص يوسف الذي عليه وأخذوا يوسف وطرحوه في البئر، وكانت فارغة لا ماء بها، وجلسوا بعد يأكلون ويلهون إلى المساء.
قوله: ﴿فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ﴾ [يوسف: ١٥] لم يذكر جواب (لما) فالجواب في الآية محذوف، أي فلما فعلوا ما فعلوا، وقيل: إن الجواب هو ((وأوحينا)) والواو زائدة.