تفسير قوله تعالى: (فلما سمعت بمكرهن أرسلت إليهن)
﴿فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ﴾ [يوسف: ٣١].
((فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ)) أي: باغتيابهن وسوء قالتهن، استعير المكر للغيبة لشبهها له في الإخفاء، أو المكر على حقيقته.
فهو أطلق على الغيبة المكر؛ لأن الخفاء مشترك بين اللفظين، أو المقصود المكر على حسب التآمر والكيد والتخطيط، كأنها فهمت أن مكرهن ليس لأجل الغيرة، وإنما هو التآمر وكأنهن تعمدن ذلك كي تريهن يوسف عليه السلام ((فلما سمعت بمكرهن أرسلت إليهن)) تدعوهن للضيافة مكراً بهن.
((وَأَعْتَدَتْ)) أي: أحضرت وهيأت ((لهن متكئاً)) أي: ما يتكئن عليه من الوسائد.
((وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا)) أي: ليعالجن بها ما يأكلن من الفواكه ونحوها.
((قالت)) ليوسف عليه السلام: ((أخرج عليهن)) أي: ابرز إليهن.
قال الزمخشري: قصدت بتلك الهيئة وهي قعودهن متكئات والسكاكين في أيديهن أن يدهشن ويبهتن عند رؤيته، ويشغلن عن نفوسهن فتقع أيديهن على أيديهن فيقطعنها؛ لأن المتكئ إذا بهت لشيء وقعت يده على يده ولا يبعد أن تقصد الجمع بين المكر به وبهن، فتضع الخناجر في أيديهن ليقطعن أيديهن فتبكتهن بالحجة، وقد كان ذلك كما قال تعالى: ((فلما رأينه أكبرنه)) أي: أعظمنه وهبن حسنه الفائق.
((وقطعن أيديهن)) أي: جرحنها، كما تقول: كنت أقطع اللحم فقطعت يدي، تريد جرحتها.
((وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ)) (حاش) أصلها (حاشا) بشين وألف، وحذفت ألفها تخفيفاً، وبها قرأ أبو عمرو.
((وقلن حاش لله)) أي: تنزيهاً له سبحانه وتعالى عن صفات النقص والعجز، وتعجباً من قدرة الله عز وجل على مثل ذلك الصنع البديع، وإنما نفين عنه البشرية لغرابة جماله، وأثبتن له الملكية على نهج القصر وأسلوبه بناءً على ما ركز في الطباع أن لا أحسن من الملك في الصورة، كما ركز فيها ألا أقبح من الشيطان، ولذلك يشبه كل متناهٍ في الحسن بالملك، وكل متناهٍ في القبح بالشيطان.


الصفحة التالية
Icon