نذارة القرآن وبشارته
قال الله: ﴿قَيِّمًا لِيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ﴾ [الكهف: ٢]، أي: لينذر من خالفه ولم يؤمن به عذاباً شديداً عاجلاً وآجلاً، والبأس هو القهر والعذاب، وخصصه بقوله تعالى: (من لدنه)، إشارة إلى زيادة هوله، وأنه من عند الله سبحانه وتعالى، ولذلك عظمه بالتنكير، ﴿لِيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الكهف: ٢]، أي: بهذا القرآن الكريم.
وقال القاسمي: (ويبشر المؤمنين)، أي: الموحدين؛ لكونهم في مقابلة المشركين الذين قالوا: اتخذ الله ولداً، (الذين يعملون الصالحات)، أي: الخيرات والفضائل، (أن لهم)، أي: بأن لهم بمقابلة إيمانهم وأعمالهم المذكورة، (أجراً حسناً)، وهو: الجنة، ﴿مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا﴾ [الكهف: ٣].
قوله: ﴿وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا) [الكهف: ٤] وهؤلاء أصناف، أي: أن الذين قالوا: (اتخذ الله ولداً)، ليسوا النصارى فقط، ولكن ذلك يشمل أيضاً مشركي العرب؛ لأنهم قالوا: (الملائكة بنات الله) وخصهم بالذكر وكرر الإنذار متعلقاً بهم استعظاماً لكفرهم.
(وينذر)؛ لأنه قال قبل ذلك: (لينذر بأساً شديداً من لدنه) وهذا عام، ثم خص نوعاً من هذا الكفر لفظاعته وشناعته، وهو زعم الولد لله سبحانه وتعالى.
(وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولداً)، أي: من المشركين الذين قالوا: إن الملائكة بنات الله، أو من النصارى الذين قالوا: المسيح ابن الله، فخصهم بالذكر وكرر الإنذار متعلقاً بهم استعظاماً لكفرهم، وترك إجراء الموصول على الموصوف كما فعل في قوله تعالى: (ويبشر المؤمنين)، للإيذان بكفاية ذات حيز الصلة في الكفر على أقبح الوجوه.
أي: أنه هنا قال: (وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولداً)، في حين أنه قال في وصف المؤمنين: (ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات)، ولم يقل: (ويبشر الذين يعملون الصالحات)، فاستغنى في الكلام عن الكفار بذكرهم بلفظ الموصول (الذين)، ولم يقل: (الذين كفروا)؛ لأن هذا من أعظم وأشنع وأقبح أنواع الكفر.
قوله: {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبَائِهِمْ﴾
[الكهف: ٥] الهاء في قوله: (به) تعود إلى الولد، أي: ما لهم بهذا الولد المزعوم علم، أو ما لهم علم باتخاذ الله الولد، ولم يقم على هذا دليل، بل إن هذا القول لا يصدر إلّا عن جهل مفرط، وتوهُّم كاذب، وتقليد للآباء، لا عن علم ويقين، ويؤيده قوله تعالى: (كبرت كلمة تخرج من أفواههم).


الصفحة التالية
Icon