تفسير قوله تعالى: (إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى)
ثم أشار عز وجل إلى وجوب إفراده بالعبادة، وإقامة الصلاة لذكره بقوله: ﴿إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ﴾ [طه: ١٥] أي: واقعة لا محالة، ﴿أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى﴾ [طه: ١٥] أي: بسعيها عن اختيار منها، والنفس متعلقة بآتية، يعني: إن الساعة آتية لتجزى كل نفس بما تسعى.
ولما كان خفاء الساعة من اليقينيات، وأن الساعة لا يُعلم متى هي، وفي: (كاد) معنى القرب من ذلك، وتأولوا الآية على وجوه: الوجه الأول: إن كاد منه تعالى واجبة، فالله سبحانه وتعالى حينما يقول: أكاد أن أفعل كذا، معناها: أن ذلك واجب أن يقع كما أراد الله سبحانه وتعالى، والمعنى: (أكاد أخفيها) أنا عن الخلق لقوله تعالى: ﴿قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا﴾ [الإسراء: ٥١]، فعسى من الله واجبة، بمعنى: هو قريب.
الوجه الثاني: قال أبو مسلم: (أكاد) بمعنى: أريد، كقوله تعالى: ﴿كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ﴾ [يوسف: ٧٦].
ومن أمثالهم المتداولة: (لا أفعل ذلك ولا أكاد) بمعنى: ولا أريد أن أفعل.
قال الشهاب: تفسير (أكاد) بأريد هو أحد معانيها، كما نقله ابن جني في المحتسب عن الأخفش، واستدلوا عليه بقوله: كادت وكدت وتلك خير إرادة لو عاد من لهو الصبابة ما مضى كادت وكدت، يعني: أرادت وأردت، بدليل أنه قال بعدها: وتلك خير إرادة لو عاد من لهو الصبابة ما مضى بمعنى: أراد، لقوله: تلك خير إرادة.
الوجه الثالث: أن (أكاد) صلة في الكلام، قال زيد الخير: سريع إلى الهيجاء شاك سلاحه فما إن يكاد قرنه يتنفس الوجه الرابع: أن معنى (أكاد أخفيها): فلا أذكرها إجمالاً، ولا أقول: هي آتية؛ وذلك لفرض إرادته تعالى: إخفاءها.
إلا أن في إجمال ذكرها حكمة، وهي: اللطف بالمؤمنين، وبحثهم على الأعمال الصالحة، وقطع أعذار غيرهم حتى لا يعتذروا بعدم العلم.
وثمة وجوه أخر لا تخلو من تكلف وإن اتسع اللفظ لها.