تفسير قوله تعالى: (قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى)
قال تعالى: ﴿قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى﴾ [طه: ٤٥] يعني: يبادرنا بالعقوبة، (أو أن يطغى) أي: يزداد طغياناً بالعناد في قطع حججنا، ثم يأمر بقتلنا، أو بالتجرؤ على أن يقول في شأنك ما لا ينبغي لجرأته وقسوة قلبه، واقتصر على الثاني الزمخشري.
إذاً: المعنى: أن يبادرنا بالعقوبة، (أو أن يطغى) يزداد في العناد ثم يأمر بقتلنا.
وقول آخر في تفسير: (إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى) أن يقول في حق الله سبحانه وتعالى كلاماً لا ينبغي لجرأته وقسوة قلبه.
قال الزمخشري: إن في المجيء به هكذا على الإطلاق، وعلى سبيل الرمز؛ باباً من حسن الأدب، وتحاشياً عن التفوه بالعظيمة.
قالا: (أو أن يطغى)، ولم يذكرا تفاصيل هذا الطغيان، فلم يقولا: نخاف أن يسب الله سبحانه وتعالى، أو يقول كلمته العظيمة، وهذا كله من أجل التحاشي عن التفوه بالكلام الذي لا يليق في حق الله تبارك وتعالى، وهذا هو الأدب الذي ينبغي أن يلزم، حتى إذا حكى الإنسان كلاماً من الكفر؛ فينبغي أن يغير في العبارة بحيث يتجنب ويتحاشى التلفظ بما لا يليق بحق الله سبحانه وتعالى، وإلا فإن الإنسان يصاب أحياناً من كلمات بعض الملاحدة من العلمانيين وغيرهم ممن يقولون في حق الله سبحانه وتعالى وفي حق دينه ما تقشعر له الجلود، فلا بد من استعمال الرمز بحكاية ما فيه إيذاءً لله سبحانه وتعالى.
﴿قَالَ لا تَخَافَا﴾ [طه: ٤٦]، هذا الخوف خوف فطري جبلي، وهو خوف من الأذى أو القتل، وهذا لا يلام عليه الإنسان، فهذا من الخوف الجبلي الذي هو من جبلة وطبيعة البشر، وليس الخوف الذي هو شرك.
(قال لا تخافا) أي: من صلفه وطغيانه.
﴿إِنَّنِي مَعَكُمَا﴾ [طه: ٤٦]، بالحفظ والنصرة، فهذه المعية الخاصة وليست المعية العامة التي هي معية الله مع جميع الخلق، بالسمع والبصر والرقابة والشهادة وغير ذلك، وإنما هذه المعية معية خاصة بالمؤمنين ولأهل التقوى وللأنبياء، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ﴾ [النحل: ١٢٨]، بالنصرة والتأييد والتولي.
﴿أَسْمَعُ وَأَرَى﴾ [طه: ٤٦] أي: ما يجري بينكما وبينه، فأرعاكما بالحفظ، فالمفعول محذوف للقرينة، أو نزل منزلة اللازم تتميماً لما يستقل به الحفظ، كأنه قيل: أنا حافظ لكما وناصر، سامع وبصير، وإذا كان الله الحافظ تم الحفظ والتأييد، وذهبت المبالاة بالعدو؛ ولذلك موسى عليه السلام في أحرج اللحظات لما طارده فرعون وجيشه، فلما وصل موسى وقومه إلى ساحل البحر ﴿قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ﴾ [الشعراء: ٦١]، ماذا يفعل؟ البحر أمامه، والعدو من خلفه! فانظر إلى جواب موسى لثقته بهذا الوعد من الله، وقد يكون موسى لا يعرف كيف يكون المخرج؟ لكن في أشد اللحظات هو واثق بوعد الله، مع أن العدو على وشك أن يصلهم، فقالوا له: (إنا لمدركون) أي: حقاً سوف ينالون منا ويصلون إلينا، ﴿قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾ [الشعراء: ٦٢]، هذه هي المعية الموعود بها هنا: (إنني معكما أسمع وأرى).