تفسير قوله تعالى: (إنه من يأت ربه مجرماً فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيا)
قال تعالى: ﴿إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَا﴾ [طه: ٧٤].
(إنه) هذه هاء الأمر أو الشأن ((مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ)) يعني: يوم القيامة ((مُجْرِماً)) يعني: في حال كونه مجرماً، أي: مرتكباً للجريمة في الدنيا حتى مات على ذلك كالكافر عياذاً بالله تعالى ((فَإِنَّ لَهُ)) أي: عند الله ((جَهَنَّمَ)) يعذب فيها ((لا يَمُوتُ)) يعني: لا يموت فيستريح، ولا يحيا حياة فيها راحة؛ لأنه إذا مات يستريح، فيكون أعظم أمنية عندهم أن يموتوا، لكن الموت يذبح وينتهي، ويقال: خلود ولا موت، ((وَلا يَحْيَا)) حياة هنيئة، وإنما يحيا حياة العذاب والشقاء، كما قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ﴾ [فاطر: ٣٦]، وقال تعالى: ﴿وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ * مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ * يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ﴾ [إبراهيم: ١٥ - ١٧]، وقال تعالى: ﴿كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ﴾ [النساء: ٥٦]، وقال تعالى: ﴿وَيَتَجَنَّبُهَا الأَشْقَى * الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى * ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَا﴾ [الأعلى: ١١ - ١٣]، وقال تعالى: ﴿وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ﴾ [الزخرف: ٧٧]، فأعظم أمنية لأهل النار هي أن يموتوا، فيجيبهم مالك خازن النار فيقول لهم: ((إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ)) لا أمل لكم في الخروج على الإطلاق ((إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ))، ونظير ذلك من كلام العرب قول عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أحد فقهاء المدينة السبعة: ألا من لنفس لا تموت فينقضي شقاها ولا تحيا حياة لها طعم