تفسير قوله تعالى: (يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذٍ زرقاً)
قال تعالى: ﴿يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا﴾ [طه: ١٠٢] بدل من يوم القيامة، أو منصوب بمحذوف، والنفخ في الصور تمثيل لبعث الله للناس يوم القيامة بسرعة لا يماثلها إلا نفخة في بوق، ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ﴾ [الزمر: ٦٨]، وعلينا أن نؤمن بما ورد من النفخ في الصور، وليس علينا أن نعلم ما هي حقيقة ذلك الصور، والبحث وراء هذا عبث لا يسوغ للمسلم، أفاده بعض المحققين.
﴿يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا﴾ [طه: ١٠٢] أي: نسوقهم إلى جهنم، ((زُرْقًا)) أي: زرق الوجوه، والزرقة تقرب من السواد، فتكون وجوههم فيها زرقة قريبة جداً من السواد، فهذا بمعنى قوله تعالى: ﴿يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ﴾ [آل عمران: ١٠٦].
وقال أبو مسلم: المراد بهذه الزرقة شخوص أبصارهم، والأزرق شاخص؛ لأنه لضعف بصره يكون محدقاً نحو الشيء يريد أن يتبينه، وهذه حال الخائف المتوقع لما يكره، وهذا كقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ﴾ [إبراهيم: ٤٢]، نقله الرازي، والأول أظهر، يعني: أنه فعلاً وجوههم تكون شديدة الزرقة بحيث تقترب من اللون الأسود.
﴿يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا﴾ [طه: ١٠٣].
((يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ)) أي: يتسارُّون من الرعب والهول أو من الضعف، قائلين يهمس بعضهم في أذن بعض، فهم يتخافتون فيما بينهم من الرعب والهول، أو من الضعف الشديد سراً، قائلين: ((إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا))، يعني: في الدنيا لبثتم عشر ليال، يتذكرون المدة التي عاشوها في الدنيا، فيقدرونها ويقولون: نحن عشنا تقريباً في الدنيا عشر ليال فقط، كل العمر الذي عاشوه ستين أو سبعين أو ثمانين سنة يوازي عشر ليال.
قال الزمخشري: يستقصرون مدة لبثهم في الدنيا: إما لما يعاينون من الشدائد التي تذكرهم أيام النعمة والسرور.
يعني: الشدائد التي يلقونها يوم القيامة من هولها تنسيهم أيام السرور، وهذا قريب جداً مما ذكرناه في سورة يس: ((قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا)).
هل هم كانوا في حالة رقود، أم كانوا يعذبون في القبور؟ يعني: من شدة الأهوال التي عاينوها نسوا العذاب الذي كان في القبر؛ لأنه بالنسبة إليه شيء لا يذكر: ﴿قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ﴾ [يس: ٥٢].