(فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ) جملة جديدة مستقلة وتكون لبيان كماله فوق أنه لَا ريب فيه.
والثالث: الوقوف عند كلمة (فِيهِ)، ويكون المعنى كالمعنى السابق، ثم يكون قوله (هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ) جملة مستقلة، وهذه القراءات تتجه كلها إلى سمو القرآن وعلوه، وأنه فوق طاقة البشر، وفوق علم الناس، إنه كتاب الله العلي الحكيم.
ومعنى (لا رَيْبَ فِيهِ) أنه لَا يعتريه الريب لكمال حقائقه ووضوح مقاصده، والبراهين القاطعة المثبتة أنه من عند الله تعالى، فلا مساغ لمرتاب أن يرتاب. وإذا كان قد وقع فيه إنكار، فلأنهم جحدوا آيات الله تعالى، واستيقنتها أنفسهم، والنفي لوقوع الريب منه في ذاته، ويضل ناس فيجحدون ولا يؤمنون، ولا ينفي ذلك أنه لا مكان للريب، ولا موضع له، إذ هو ارتياب حيث اليقين، وإنكار حيث يجب الإيمان، وهو الحق الذي لايأتيه الباطل من أي ناحية من نواحيه.
(هدًى لِّلمُتَّقِينَ) الهدى مصدر على وزن فعَل، كالسّرى، والبكى، ومعناه الدلالة على الطريق الموصل للغاية الذي لَا اعوجاح فيه، ولا تستعمل غالبا إلا للتوصيل إلى الخير، بدليل مقابلتها بالضلالة في قوله تعالى: (أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ)، وبدليل نسبة الهدى إلى الله تعالى، فقد قال تعالت كلماته: (قلْ إِنَّ الْهدَى هُدَى اللَّهِ...)
، والمهتدي من انتفع بما وجد من هداية (فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَفمِلُّ عَلَيْهَا...).
وإذا قيل: فإن الهداية إنما تكون للضالين ليسترشدوا، ويسيروا في طريق الحق، ويبتعدوا عن الغواية، وما يدفع إليه من ضلالة كما قال تعالى: (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى).


الصفحة التالية
Icon