أكد الله تعالى هذا المعنى شارحا حالتهم النفسية، وانطباعها على الشر، وعدم تقبل الهداية، فقال تعالى:
(خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ).
الختم مصدر ختصت ختما فهو مختوم ومعناه تغطية الشيء، والاستيثاق من الغطاء حتى لَا يدخله شيء من خارجه، والختم يكون محسوسا، وإطلاقه على الأمور المعنوية يكون مجازا أو استعارة، ويكون المعنى أن الله تعالى شبه ابتعادهم عن الهداية، والحيلولة بين قلوبهم ووصول الحق إليها، بسبب ما تواردت عليه من أسباب الشك والارتياب وإظلام القلوب، وعدم قبولها لنور الهداية - شبهه بحال ما ختم عليه بختم استيثاقا من ألا يفتح ويدخل عليه شيء من الإيمان، وكان على القلوب، فلا يكون معها مكان لهداية، وعلى السمع، فلا ينفتح لسماع كلمة حق هادية، وذلك من كثرة ما توارد عليها من أسباب العصيان والجحود، حتى طبع الله تعالى عليها بكفرهم، فقد قال - ﷺ -: " تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا، فأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء حتى تصير على قلبين، أبيض مثل الصفا، فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض، والآخر أسود مربادا كالكوز مجخيا (أي مقلوبًا) لَا يعرف معروفًا، ولا ينكر منكرًا " (١) رواه الصحيحان، ولقد قال ابن جرير في تفسيره: " إن الذنوب إذا تتابعت على القلوب أغلقتها، وإذا أغلقتها أتاها حينئذ الختم الذي ذكره الله سبحانه وتعالى: (خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ).
والمعنى أن الذين أركست قلوبهم بتضافر ذنوبهم، وتوالى جحودهم، واستغراق المادة تغلق عليهم مسالك الهداية، وتسد عليهم مسام النور، فلا تصل إليهم هداية.
________
(١) رواه مسلم: كتاب الإيمان: باب: بدأ الإسلام غريبا (٢٠٧).


الصفحة التالية
Icon