فالآية الكريمة وصف لحالهم (يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا) فهي وصف لحالهم وما يرتكبون، فعملهم عمل المخادع الذي يخادع الله والذين آمنوا بأن يوهمهم ويخادعهم فيظهر الإيمان ويبطن الكفر والعداوة وتربص الدوائر، ويحسب أنه يخادع الله ورسوله والمؤمنين. والمخادعة مفاعلة بين اثنين كلاهما يريد خدع صاحبه، والمفاعلة بين أولئك المنافقين من جانب والله ورسوله من جانب آخر، وكيف يخادعون الله، وهو علام الغيوب الذي لَا تخفى عليه خافية في السماء ولا في الأرض؟ وكيف يخادعهم الله تعالى وهم في قبضته، وكل من في السماوات والأرض في قبضته يوم القيامة؟ وقد أجاب الزمخشري عن ذلك فقرر أن الله تعالى يعاملهم معاملة المؤمنين، فيتزوجون، ويرثون، ويعاملهم كأنهم المؤمنون الصادقون في الإيمان، فهم يخادعون بإظهار ما لَا يبطنون، والله تعالى يعاملهم بما يظهرون، ولا يعاملهم بما يبطنون، أو يقال إن المعنى أنهم ينزلون بالمؤمنين ما يحسبونه مخادعة لهم، وإيهامهم بأنهم آمنوا، وما هم بمؤمنين، أو يقال إن المخادعة للنبي - ﷺ - ومن معه، وهم يعاملونهم معاملة المخادع لهم، وإن كان النبي - ﷺ - يعلم من لحن قولهم خفيَّ أمرهم كما قال تعالى: (وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ...).
والمعنى في الجملة بعد أن خرَّجنا المخادعة تلك التخريجات المختلفة أنهم يظهرون ما لَا يبطنون محاولين أن ينزلوا بالمؤمنين ما تكون كالمخادعة، وقرر ذلك الراغب الأصفهاني في المفردات فذكر أن الخداع للرسول - ﷺ - وأوليائه من المؤمنين، وفى التعبير عن ذلك بخداع الله تعالى إشارة إلى أن الذين يخادعون النبي إنما يخادعون الله تعالى، وأن الله تعالى كاشف أمرهم لنبيه - ﷺ - وأنهم إذ يضارونه، ويخفون عليه أمورهم، يبطنون عنه سبحانه وتعالى ما لَا يبدون وهو من ورائهم محيط.


الصفحة التالية
Icon