وهكذا كل المعاصي والذنوب التي هي أمراض القلب، من اختارها، فقد اختار الضلالة كلما سار فيها ازداد بعدا عن الحق وعن الطريق القويم فيوغل في المعاصي، لَا يعود ولا يتوب.
وقد بين الله تعالى عاقبتهم، فقال: (وَلَهمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) أي عذاب مؤلم شديد، فأليم هنا بمعنى مؤلم، يصيب أجسادهم يوم القيامة كقوله تعالى: (بَدِيع السمَاوَاتِ وَالأرْضِ...)، أي مبدع السماوات والأرض يعني منشئها على غير مثال سبق، فيكون لهم جزاءان أحدهما دنيوي، وهو متولد من النفاق نفسه إذ يكونون في اضطراب لايستقرون على قرار، ولا يطمئنون؛ إذ الغل والحقد والحسد يقتل نفوسهم قتلا، ويستمرون على ذلك، حتى يكون هذا مرضًا خبيثًا يسكن نفوسهم، حتى ينغص عليهم كل حياتهم، وتكون كل نعمة تنزل بأهل الإيمان والحق نقمة عليهم.
الجزاء الثاني هو العذاب الشديد المؤلم الذي ينالهم يوم القيامة، وهو ينتظرهم، وهم واردون عليه بلا ريب، ولقد بين الله سبحانه وتعالى سبب ذلك العذاب الذي هو الجزاء الثاني فقال تعالت كلماته: (بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) فالباء هنا باء السببية، أي بسبب الكذب المستمر الذي كانوا يقومون به، فـ " كانوا " هنا دالة على الاستقرار والدوام، كما في قوله تعالى: (وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا)، وكما في قوله تعالى: (إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهولًا).
فمعنى (بِمَا كَانوا يَكْذِبُونَ)، بسبب كذبهم المستمر الذي لَا ينقطع، وقد اتصفوا بالكذب:
(١) فكذبوا على أنفسهم، فكلما بدا لهم ضوء الحق طمسوه، وغروها الغرور، وخدعوها بأنهم أهل الحق، وموهوا عليها، كما موهوا على الناس، فصارت في عماء، وغلبت عليها شقوتها.
(٢) وكذبوا على الرسول وأصحابه، وقالوا آمنا بالحق وباليوم الآخر.


الصفحة التالية
Icon