ولقد كان المنافقون يفسدون في الأرض بين الناس، والفساد في الأشياء أن تخرج عما خلقت له إلى ما يضر، والصلاح استقامتها حتى تكون في دائرة النفع الإنساني العام، والمنافقون في عصر النبي - ﷺ - وفيما بعده من العصور شأنهم الفساد، ومن كانوا في عصر النبي - ﷺ - قد وضح فسادهم، واستشرى شرهم، فهم قد كفروا بالحق إذ جاءهم، وأنكروا كتاب الله تعالى ورسوله الأمين، وقد عرفوه، ومشوا بالنميمة والسعاية بين الناس، وكلما أطفأ الله نارًا للحرب أوقدوها، ومالئوا المشركين على المؤمنين، وإذا خرج المؤمنون للقتال عملوا على أن يهموا بالفشل، يعرفون ضعفاء المسلمين ويغرونهم بالتخلف، يبتغون الفتنة بين المؤمنين ويقلبون الأمور لإثارتها، كما قال تعالى: (لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الأمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ).
ولقد قال ابن جرير في تفسيره في بيان إفسادهم: أهل النفاق مفسدون في الأرض بمعصيتهم فيها ربهم، وركوبهم فيها ما نهاهم عن ركوبه، وتضييعهم فرائضه، وشكهم في دينه الذي لَا يُقبل من أحد عمل إلا بالتصديق به والإيقان بحقيقته، وكذبهم على المؤمنين بدعواهم غير ما هم عليه، مقيمون على الشك والريب، ومظاهرتهم أهل التكذيب بالله وكتبه ورسله على أولياء الله إذا وجدوا إلى ذلك سبيلا، فذلك إفساد المنافقين في الأرض، وهم يحسبون أنهم بفعلهم ذلك مصلحون فيها، فهم يحرضون المشركين على المؤمنين، ويتفقون معهم، ويدلون على عورات المؤمنين، ومَقَاتِلهم، وهكذا.
ويسأل سائل: لماذا قال سبحانه وتعالى: (فِي الأَرْضِ)؟ ونقول: إن ذلك لبيان عموم فسادهم، وأنه يتناول المدينة وما حولها. وأن الأرض موطن فسادهم، يثيرون الحروب فيها، ويشيعون الشر في ربوعها.
وقوله تعالى:
(وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ) مع البناء للمجهول للإشارة إلى عموم شرهم، وأن الناس جميعا يتساءلون: لماذا كان ذلك الفساد؟ وأي مأرب لهم فيه؟،