ولسان الخير يقول لهم: الا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ) فهم في حال من الإفساد، يستنكرها كل إنسان، ولايرتضيه رجل للأخلاق عنده مكانة، وللخير عنده منزع، فتجهيل اللائم لهم بقوله: (وَإِذَا قيل) لعموم المستنكرين لحالهم، وأنهم في وادٍ والناس في واد آخر، فلا تجد أحدا يوالي منافقا إلا إذا كان على شاكلته.
وإن أشد فساد الفاسد أن يغتر بحاله، ويزعم أنه ليس بفاسد، فهو معكوس النفس مركوس، قد انقلبت الحقائق في عقله، فلا يعرف الخير من الشر، ولا الفساد من الصلاح، وهكذا المنافقون تنكس عليهم الأمور، فجميعها منكوس.
ولذلك يرد المنافقون قول من يستنكر فسادهم بما حكاه الله تعالى عن نفوسهم: (قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ) أي قصروا نفوسهم على الإصلاح، وذلك أن " إنما " تدل على القصر أي قصرهم على الصلاح لَا يكون منهم فساد قط، وذلك أعظم الغرور وأشد الفساد، فكل ما يفعلون مما ذكرنا وما لم نذكر يعدونه إصلاحا، ولا يعدونه فسادا، وهكذا زين لهم سوء عملهم فرأوه حسنا، وذلك الغرور لَا يكون إلا ممن أحاطت به خطيئته، فأصبح لَا يرى إلا ما يكون في دائرتها، وقد سدت عنه كل منافذ الخير.
وقد حكم الله تعالى عليهم ذلك الحكم القاطع مؤكدا له أفضل توكيد بقوله تعالى:
(أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ (١٢)
فالله تعالى يحكم عليهم بأن الفساد يستغرقهم وأنهم مقصورون عليه، وقد أكد الله سبحانه وتعالى ذلك الحكم بعدة مؤكدات:
أولها: التعبير بـ " ألا؛ لأن لَا نافية دخلت عليها همزة الاستفهام الدالة على التنبيه والنفي، فهي نفي مؤكَدٌ لصلاحهم، وتأكيد لفسادهم.
وثانيها: التأكيد بـ " إن " المؤكدة لفسادهم.


الصفحة التالية
Icon