وقد أكدت السفاهة بقوله: (أَلا) التي هي استفهام داخل على النفي، فكان تأكيدا للنفي مع التنبيه، وقد أكد أيضا بـ " إن "، وهي تجيء بعد قوله تعالى: (أَلا) كما يجيء القسم بعدها.
وأكد بضمير الفصل، في قوله تعالى: (هُمُ السُّفَهَاءُ).
وأكد القول بتعريف الطرفين الذي يفيد قصرهم على السفه، بحيث لَا يكون منهم إلا ما هو سفه، ولا يجيء منهم حكمة قط، لأن الحكمة لَا تكون إلا من قلب سليم.
(وَلَكِن لَا يَعْلَمُونَ) مقدار ما أوتوا من سفه الرأي، وما أوتي غيرهم من حكمة الإيمان، وهنا نجد أنهم عند قصرهم في النص القرآني على الفساد، قال: (وَلَكِن لَا يَشْعُرُونَ)، لأن الفساد والصلاح حسيان، فناسبهما أن يكون عنهم شعور حسي، أما حكم السفه فأمر فكري فناسبه نفي العلم لَا نفي الحس.
فذكر القرآن الكريم قياس بعض أحوال المنافقين في أنهم يدَّعون الإيمان ويبطنون الكفر، وأن النفاق والإيمان نقيضان لَا يجتمعان، والمنافق ليس من شأنه أن يؤمن بشيء، وأنهم يزعمون أنهم هم الصالحون - وهم المفسدون الفاسدون - وأنهم يحسبون أنهم بشكهم ونفاقهم في مرتبة عالية، وأن المؤمنين بالنسبة لهم ضعاف الأحلام سفهاء.
بعد ذلك بين سبحانه علاقتهم بالمؤمنين ومعاملتهم، وكيف يمارونهم، ولا يجهرون أمامهم بكفرهم، فقال تعالى:
(وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (١٤) كان أولئك المنافقون يشيعون في مجالسهم أن المؤمنين سفهاء، وأنهم هم المدركون وحدهم، العارفون بحقيقة العقائد، وأنهم الأعلون، لأن في المؤمنين موالي كصهيب وبلال وخباب وعمار وغيرهم.