أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (١٦) مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ (١٧) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (١٨)
* * *
المنافقون الذين جاوروا النبي - ﷺ - في المدينة، سواء أكانوا من المشركين أم كانوا من اليهود، وقد كانت عدوى الأخلاق بينهم.. أولئك المنافقون كانوا يحضرون مجالس النبي - ﷺ -، ونور الحق يشع بينهم، فيرون مطالعه، ويدركون مشارفه، فأسباب الهداية بين أيديهم يرونها عيانا، ويسمعونها بيانا، والفطرة تحثهم، وترشدهم، والحق لَا تخفى منه خافية، فعندهم العلم أو أسبابه، ولكنهم مع ذلك يتركون النور الهادي إلى الظلام الدامس، يتركون الحق الأبلج، وهو بين أيديهم، وعن أيمانهم، وعن شمائلهم، يتركون ذلك إلى الضلالة، فهم قد استحبوا العمى على الهدى " ولذلك قال الله تبارك وتعالى:
(أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضلالَةَ بِالْهُدَى) الإشارة هنا إلى المنافقين الذين ذكرت أوصافهم، والإشارة إلى المُعرَّف بالوصف هي إشارة إلى الأوصاف، وقد حملوها، وبذلك تكون الأوصاف هي علة الحكم، وسببه، إنهم بإخفائهم الكفر، وإعلانهم الإيمان، وإفسادهم في الأرض، وهم يزعمون إصلاحها، وما فيهم من مرض النفاق الذي يعمي ويصم. وظنهم أنهم أهل الكمال، وأن غيرهم أهل السفه والخسران.
إنهم بهذه الأوصاف التي اختاروها، والأحوال التي كانوا عليها مع رؤيتهم النور والهدى، وتركهم إياه كمن يشترى الضلال بثمن هو أعلى الأثمان، وهو الهدى يدفعونه في سبيل أن ينالوا أقبح ما في الوجود وهو الضلال، وهل يستوي