النفاق في النفس من حيث إنه يسد الإدراك، فيصبح العقل لَا يدرك والنفس لا تتكشف، بحال من لَا يبصرون (فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ)، هذا تشبيه إفرادي، إنه استعارة في أجزاء القول، لَا في جملته.
والاستعارة التمثيلية في جملة القول أنه شبه حال المنافقين في أن أسباب النور بين أيديهم، وتحيط بهم، ولكنهم لَا ينتفعون بها - بحال قوم أو فوج من الناس استوقدوا نارا، وعالجوها حتى أضاءت فلما أضاءت، ما حولهم لم ينتفعوا بها فخمدت، فذهب الله تعالى بنورهم فهم في ظلمات متكاثفة بنفاقهم لَا يبصرون.
* * *
وفى النص عبارات بلاغية يجب الإشارة إليها:
أولها - أنهم جماعة، والمفروض أنهم استوقدوا النار جميعا، أو بتعاونهم، ولكنه عبر بالمفرد، فقال تعالت كلماته: (كَمَثَلِ الذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا) فعبر بالمفرد، قالوا إنه مفرد أريد به الجمع، وعبر بالمفرد لثلاثة وجوه:
(أ) أن الوصول العبرة فيه بالصلة لَا بلفظه ومن ذلك قوله تعالى: (وَخُضتمْ كَالَّذِي خَاضُوا...).
(ب) وأن الحقيقة أن الذي استوقد هو بعضهم أو فوج منهم، وإن كانت الإضاءة للجميع، والنفع بالضوء للجميع لَا للذي استضاء وحده؛ ولذلك كان التعبير بالجمع في حال الانتفاع، إذ قال فلما أضاء لهم، وبعضهم قد استوقد النار والجميع يستفيد من النور، إذ هو يشيع ويعم، ولا يخص من استقاد النار.
(ب) أن المشبه به في الآية ليس هو الذي استوقد، إنما المشبه به هو الحال التي كان فيها الاستيقاد أولا ثم خمود النيران، وسيرهم في ضلال، فعبر بالذي كما في قوله تعالى: (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِل