الله محمد - ﷺ - ما دام القرآن يتسع لمدلوله، ولا نقدم عليه احتمالا آخر مهما تكن مكانة قائله من الفقه والبيان، فإنه مهما يكن لَا يناهد مقامه مقام مبلِّغ الرسالة في الإحكام، ولا مقامه في البيان، وإدراك معاني القرآن، ولذا نعد السنة النبوية هي المفسر الأول.
ويلى ذلك تفسير الصحابة الذي صحت نسبته إليهم، وخصوصا علماءهم، والسابقين الأولين الذين قال تعالى عنهم في بيعة الرضوان: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا (١٨).
ونأخذ بأقوال هؤلاء على أساس ألا تخالف نصا قرآنيا، أو تناهضه، أو تحمله ما لَا يحتمل، وعلمُهم بالقرآن أعظم من علمنا به، إذ كانوا كما أشرنا من قبل أهل بيعة الرضوان، لَا الذين جاءوا بعد الحديبية، وكان بعض أولئك من الذين لهم جهاد مذكور مشهور، لَا يغض من مقامهم، ولكن ليسوا حجة في فهم القرآن إلا من ناحية اللغة والبيان، فإن ذوقهم العربي ربما يجعل لقولهم مكانًا، ولم يعن أحد من هؤلاء بالتفسير رواية أو دراية، لأنهم شغلوا بغيره، إلا ما كان من ابن عباس، وأشباهه من شباب الصحابة الذين وَعَوا أفاويقه في آخر حياة الرسول، ومنهم بعض من التزموا الرسول - ﷺ -.
فقد كان ابن عباس ترجمان القرآن كما عبر بعض علماء الصحابة، وقد أخذ من علم كثير من الصحابة، وخصوصا ابن عمه عليًّا، الذي قال فيه ابن عباس: ما انتفعت بكلام بعد كلام محمد - ﷺ - كما انتفعت بكلام عليٍّ كرَّم الله وجهه. فقد كان عليٌّ أستاذه بعد المرشد الأكبر محمد - ﷺ -.
وإن الصحابة علموا التابعين مما تعلموا من فهم القرآن وأولئك هم التابعون، فما صح عن التابعين أهل الثقة الذين لازموا الصحابة واختزنوا علمهم، وهو علم بنوه ونقلوه نقلا صحيحا أخذنا به. بيد أنه يجب الاحتراس عند الأخذ من الأقوال


الصفحة التالية
Icon