فإنها فروض لم يثبت صدقها. وإنما الأخبار الصحيحة - أي من حيث السند - التي تكون تفسيرًا للقرآن ولا تجوز مخالفتها هي الأخبار التي لَا يطعن في صحة متنها ولا تخالف أمرًا يقطع العقل بخلافه.
* * *
(هل النبي - ﷺ - فسر القرآن كله؟)
إن ابن تيمية العالم الفقيه يقول (١): إن النبي - ﷺ -، بين القرآن كله، ولم يترك فيه جزءا يحتاج إلى بيان ولم يبينه، ولا جزءا يحتاج إلى تفصيل ولم يفصله، ولا مطلقا يحتاج إلى تقييد ولم يقيده، ويحسب أن ذلك جزء يجب الإيمان به لقوله تعالى: (... وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذكرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ...).
وقد تلقى الصحابة تفسير النبي - ﷺ -، وقد قال عبد الرحمن السلمي: " حدثنا الذين كانوا يقرئوننا القرآن كعثمان بن عفان وعبد الله بن مسعود وغيرهما - أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي - ﷺ - عشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل، قالوا: فتعلمنا القرآن والعلم والعمل ". وإن الصحابة كانوا لايستحفظون القرآن فقط، بل كانوا يتعلمونه ويتعلمون معانيه، ويقول في ذلك رضي الله عنه - أي ابن تيمية -: " من المعلوم أن كل المقصود منه فهم معانيه دون مجرد ألفاظه، فالعادة تقرّ ألا يقرأ قوم كتابا في فن من العلم كالطب والحساب، ولا يستشرحوه، فكيف بالكلام الذي هو عصمتهم ونجاتهم وسعادتهم وقيام دينهم ودنياهم؟ ولهذا كان النزاع في تفسير القرآن قليلا جدًّا.
ويتعين علينا إذن أن نقول إن تفسير الصحابة عن رسول الله - ﷺ -، هو تفسير الرسول - ﷺ - إلا ما ثبت عن الرسول - ﷺ - من قول يخالفه.
وإن الصحابة علَّموا تلاميذهم من التابعين ما تلقوا عن رسول الله - ﷺ -، وهم أهل صدق، فابن عباس كان له تلاميذ تلقوا عنه كمجاهد، وعكرمة، ونافع وغيرهم ممن تلقوا عن ابن عباس، ولكن ما ينسب إلى التابعين يجب تمحيصه، فقد نفذت
________
(١) راجع هذا المبحث في مقدمة أصول التفسير لابن تيمية.