والغزالي أجاز التفسير بالرأي، وفتح الباب، ولكن قبل أن نقدم إسناده من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة نحرر رأيه، فهو:
أولا: لَا يهمل السنة ولا آثار الصحابة وأقوالهم، ويقرر أن ما أثر عن النبي - ﷺ - والصحابة بسند صحيح لَا تصح مخالفته، ويجب الأخذ به.
ثانيا: لَا يفتح الباب على مصراعيه لكل من يرى رأيا فيفسر القرآن برأيه، بل يجب أن يكون عنده علم اللغة، وعلم القرآن، وعلم السنة، لكيلا يقول على الله تعالى بغير علم.
وإن الفهم في كتاب الله تعالى باب متسع لكل من عنده أداة الفهم لعلم القرآن، ويستدل على ذلك بنصوص من القرآن والسنة وأقوال الصحابة:
(أ) إن القرآن الكريم فيه كل علوم الدين بعضها بطريق العبارة، وبعضها بطريق الإشارة، وبعضها بالإجمال، وبعضها بالتفصيل، وإن ذلك يحتاج إلى التعمق في الفهم، والاستبصار في حقائقه. وذلك لَا يكفي فيه الوقوف عند ظواهر التفسير التي تجيء على ألسنة بعض السلف، بل لابد من التعمق، واستخراج المعاني ما دامت لَا تخالف صريح المأثور، ولكنها أمور تسير وراءه، وعلى ضوئه وعلى مقتضى هديه؛ ولذا قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: " من أراد علم الأولين والآخرين، فليتدبر القرآن " وإن ذلك لَا يكون بغير التعمق في الفهم والتعرف بالإشارة للمَرائي البعيدة والقريبة من غير اقتصار على ظاهر النصوص.
(ب) إن في القرآن بيان صفات الله سبحانه وتعالى، وذكر ذاته القدسية وأسمائه الحسنى، وإن معرفة ذلك مع التنزيه وعدم المشابهة للحوادث يحتاج إلى تدبر وبيان ليعرف القارئ لكتاب الله تعالى أنه سبحانه وتعالى منزه نزاهة مطلقة عن المشابهة للحوادث.
(جـ) إنه قد وردت آثار كثيرة تدعو إلى الفهم والتدبر، فقد قال علي - كرم الله وجهه -: " من فهم القرآن فسَّر به جمل العلم "، وقال رضي الله عنه: " ما


الصفحة التالية
Icon