أشرنا إلى أننا اخترنا أن يكون النسخ في هذه الآيات الكريمات هو نسخ الآيات الدالة على رسالة النبي - ﷺ -، وأن تغيير آية يأتي الله تعالى بخير منها أو مثلها، وإن قدرة الله على ذلك ثابتة وله فيما يفعل حكم ظاهرة قد نعلمها بإدراكنا الناقص، وقد تعلو على إدراكنا.
ولذا قال تعالى موجها الخطاب لأمة محمد - ﷺ - ملتفتا إليهم، وهم يشملون الوثنيين واليهود فهم جميعا أمة محمد فقد أرسل إلى الناس كما قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ).
(أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِن قَبْلُ... (١٠٨)
أم للإضراب عن الكلام السابق إضرابا لفظيا، مؤداه علمتم أن الله على كل شيء قدير، وعلمتم أن الله تعالى له ملك السماوات والأرض، وأنه يصرف الآيات لرسله الكرام فيختار لكل رسول آية، ولا يستبعد أن تكون تلك الآيات كلها على نسق هذه الآية لمن يجيء بعده، والله يصرِّف دلائله وآياته.
أتريدون يا من تخاطبون برسالة محمد أن تسألوا رسولكم آية دالة على رسالته، كما سأل اليهود موسى من قبل، أي أتريدون أن تختاروا معجزة دالة على نبوة محمد - ﷺ -، كما سئل موسى من قبل.
والاستفهام هنا لإنكار الوقوع، أي أنه كان ممن خاطبهم محمد - ﷺ -، ممن سأل النبي - ﷺ - أن ينزل عليهم كتابا من السماء يحمله ملك، ومنهم من سأل أن يكون المبعوث ملكا ولا يكون رجلا يمشي في الأسواق، كان ذلك من المشركين، ومن أهل الكتاب، وقد قال تعالى في سؤال أهل الكتاب: (يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا (١٥٣).


الصفحة التالية
Icon