ثانيا: أن الرحمة في " الرحمن " أكثر من " الرحيم "، ولذلك قالوا: إن رحمة الرحمن، هي الرحمة بالوجود كله، فبرحمة الرحمن يرزق الله من في السماوات والأرض، وبرحمته الواسعة ينزل الغيث، ويرسل الرياح، ومهَّد الأرض، وجعل الجبال، وبرحمة الرحمن بعث الرسل مبشرين ومنذرين، وبرحمة الرحمن جازى المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته (مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْر أَمْثَالِهَا وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ).
وهكذا كانت رحمة الرحمن شاملة الوجود كله، والرحيم متعلق في رحمته بالمكلفين.
ثالثا: أن " الرحمن " أكثر رحمة لما في الوصف بالرحمة فيه من شمول يشمل الوجود الإنساني كله، ووصف " الرحيم " خاص بالمكلفين، كما يدل على ذلك سياق اللفظ في القرآن الكريم.
ومن هذا الاستقراء والتتبع، واستنباط المعاني لألفاظ (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) من استعمال القرآن ننتهي إلى أن بيان معاني (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم) أن الله سبحانه وتعالى يأمرنا أن نتلو القرآن مبتدئين تالين لآياته باسمه الأقدس. نتبرك به ونتيمن ونسبح باسمه، وهو الله الإله المتفرد بالخلق والتكوين والتدبير والمتفرد بالعبودية وحده جل جلاله لأنه بديع السماوات والأرض والوجود كله، وهو " الرحمن " ذو الرحمة الواسعة التي تعم الوجود كله في السماوات والأرض، والدنيا والآخرة، المدبر للوجود برحمته، وهو " الرحيم " بعباده يغفر لهم ويتوب عليهم، ويشرع لهم من الشرائع ما يكون خيرًا لهم في معادهم ومعاشهم، وهو بكل شيء عليم.