ولا يبرون، ولقد أخذ سبحانه وتعالى يذكرهم بنعمه عليهم، وذكرهم بحالهم من فرعون إذ نجاهم منه، وكان يسومهم سوء العذاب، يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم، وذكرهم إذ فَرَقَ بهم البحر، وآياته الكبرى فيهم، وذكرهم إذ قابلوا هذه النعم بالشرك إذ اتخذوا العجل، وذكّرهم بعفوه سبحانه وتعالى عنهم، وذكرهم بأنه طالبهم بعد هذا العفو أن يقتلوا دواعي الشهوات في أنفسهم، لتكون قوة في هذا الوجود، فلا وجود لجماعة غلبت عليها شهوتها، وذكرهم بنعمته عليهم في أن أتي لهم بالمنِّ والسلوى ليأكلوا منها رغدا، وذكَّرهم بأنه أمرهم بدخول قرية لهم متطامنين متواضعين، فإن مع التواضع مغفرة الله، ولكنهم بدلوا بالطاعة الظلم، فعاقبهم الله تعالى في الدنيا.
وذكر لهم آياته سبحانه في أن أمدهم بالماء في وسط الجدب، بأن ضرب لهم موسى الحجر بعصاه، فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا، وبين أن شهواتهم، قد تحكمت فيهم فطلبوا ما كانوا يأكلون في مصر من الفوم والعدس والبصل بدلا من المن والسلوى، واستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير، وأنهم إذ تحكمت فيهم شهوتهم ضربت عليهم الذلة، فكانوا أذلة؛ لأنه حيثما كانت الشهوة المستحكمة كانت الذلة، ثم بين سبحانه أنه أخذ عليهم الميثاق وأكده برفع الجبل عليهم، فَأعْطَوْهُ - أي الميثاق -، ولكنهم نقضوه وجاء من بعد ذلك أمر موسى - عليه السلام - لبني إسرائيل أن يذبحوا بقرة، وقد كانت مقدسة في مصر فسرت عدوى ذلك إليهم، فتلكئوا في الأمر فسألوا عنها: أكبيرة أم صغيرة؟، وما لونها؟، ثم سألوه: أهي عاملة أم غير عاملة؟ فقال: إنها بقرة لَا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث مسلَّمة لا شية فيها، فذبحوها وما كادوا يفعلون، ثم ذكر في السورة قصة القتيل الذي ادّعى كل فريق أنه لم يقتله، فأمرهم أن يضربوه ببعضها، فظهر القاتل، وأمر الله تعالى بالقصاص منه.
والله سبحانه وتعالى بعد أن ذكر هذه الأحوال لهم بين أنه (لا يُطمع في إيمانهم)، وقد استولى النفاق عليهم، فإذا لقوا المؤمنين قالوا: آمنا، وإذا خلا بعضهم