وإنه لَا يجوز التفرق في دين الله بين اليهود والنصارى وأتباع محمد، ولقد جاء محمد - ﷺ - بهذه الوحدة الدينية، (... لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ). وإنه بهذه الوحدة الدينية التي تقوم على التوحيد، قد اتجه النبي - ﷺ - إلى بيت المقدس؛ لأن البيت الحرام الذي به الحج كانت الأوثان تحوطه، فلما آذن الله تعالى بأن دولة الأوثان ذاهبة بعد الانتصار في غزوة بدر الكبرى حَوَّل الله تعالى قبلة المسلمين إلى الكعبة إيذانا بتخليصها من الشرك وأهله.
فأخذ السفهاء من اليهود يثيرون الشكوك حول ذلك التحويل: ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها؟! وقد رد الله تعالى عليهم، وبين أن ذلك أمر قدره، وأن وسطية الأمة الإسلامية، وعلوها اقتضى الاتجاه إلى ما بناه أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام، وبين سبحانه أن تغيير القبلة بجعلها لبيت المقدس أولا، ثم تحويلها ثانيا للكعبة إنما هو اختبار للإيمان والتسليم، وفَصَّلَ الله تعالى من بعد ذلك كيف يولون وجوههم شطر المسجد الحرام أينما كانوا.
ثم ذكَّرهم بنعمة الله تعالى عليهم، وأشار إلى أنهم سيجدون أياما غلاظا شدادا: (وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ منَ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ).
* * *
(أحكام تكليفية)
وتلتقي الأحكام الشرعية مع العبر والعظات، وما مضى من السورة عظات، وأخبار عن الأنبياء السابقين - وخصوصا إبراهيم عليه السلام - الذي ينتهي إليه أكثر أنبياء بني إسرائيل وإسماعيل ومحمد - ﷺ -: وما بعد ذلك تكليفات مع بعض عبر الماضين.