أولها: أن بعضهم حاول تفسيرها بأنها رموز للذات العلية، أو أنها رموز لله ولآخرين، فقال قائل إن (الم) ترمز إلى أن الله يقول أنا الله أعلم، فالألف:
أنا، واللام: الله، والميم: أعلم، وقالوا: (الم) أنا الله أرى، وقال بعضهم في (الم): إن الألف من الله، واللام من جبريل، والميم من محمد، وقيل الألف مفتاح اسم الله، واللام مفتاح لطيف، والميم مفتاح مجيد، وكل هذه التفسيرات ظنون، وإن الظن لَا يغني من الحق شيئا، ولم يرد واحد منها عن الرسول - ﷺ -، ولو وردت عنه لقبلناها صاغرين ولخرجت من المتشابه إلى المحكم.
ثانيها: ليس تعرفا لمعانيها، ولكنه تعرف لسر وجودها، أو لبعضها، وذلك بيان لإعجاز القرآن مع أنه مكون من حروفهم التي تتكون منها كلماتهم، ومع ذلك يعجزون عن أن يأتوا بمثله في تأليف نغمه، وسياق معانيه، وتآلف ألفاظه وفواصله، فهذا يدل على أنه من عند الله ويدل على عجزهم عن أن يأتوا بمثله.
وثالثها: وهو كسابقه يدل على بعض أسرار وجودها، ولا يتعرض لذات معانيها، وهي أنها تدل على نزول القرآن من عند الله تعالى، وأن محمدًا - ﷺ - لم يأت به من عنده، لأنه أُمي لَا يقرأ ولا يكتب، فهو النبي الأُميّ، والأُميّ ينطق بالكلمات ولا يعرف الحروف، فمجيء الحروف على لسانه - ﷺ -، وهي حروف كثيرة، هي نصف عدد الحروف الهجائية، وهي متنوعة المخارج، وتشمل المخارج كلها، وإن لم تشتمل كل عددها، إن هذا دليل على أنها من عند الله عالم الغيب والشهادة، الذيَ علَّم بالقلم، وعلم الإنسان ما لم يعلم.
رابعا: وهو كسابقيه فيه بيان سر وجود هذه الحروف، وذلك أن العرب المشركين كانوا يحسُّون بأثر القرآن في نفوسهم إذا سمعوه، حتى أنهم قد تفاهموا على ألا يسمعوه (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبونَ).
فكانوا يحاولون ألا يسمعوا، فكانت تلك الحروف الصوتية التي