هذه عقوبة الزنى، ونعتقد أن حكم الآية عام، والظاهر من الألفاظ أنها تعم المحصن وغير المحصن، وقالوا: ثبت بالسنة تغريب عام، بعد الجلد على ملأ من الناس لكي يذهب عنه عار الجلد. وروي عن مالك أن المرأة لَا تعذب حتى لَا تكون عرضة للسقوط مرة أخرى، وفائدة التعذيب بالنسبة للرجل لكي يذهب عنه خزي الجريمة، لأن الخزي يجعله يهون في ذات نفسه، فيهون عليه ارتكاب الجريمة، إذ الجريمة في ذاتها هوان.
وقد يقول قائل في هذه المناسبة: إن الدعوة إلى أن يشهد العقوبة طائفة من المؤمنين يناقض الستر الذي دعا إليه النبي - ﷺ - في مثل قوله - ﷺ -: " كل أمتي معافى إلا المجاهرين " (١) والجواب عن ذلك أن إعلان العقوبة خير، لأنه ردع عام، أما إعلان الجريمة من غير عقوبة فدعوة إلى الجريمة، وفرق بين دعوة الردع ودعوة الفجور.
لم نذكر الآية الرابعة، وهي إحدى الثلاث غير المذكورة في سورة النور، وهي قوله تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٥).
إن ظاهر الآية من غير تأويل، ولا تحميل الألفاظ غير ما يحتمل أن الظاهر من قوله تعالى: (فَإِذَا أُحْصِنَّ)، أي فإذا تزوجن فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب، وإن الرجم لَا ينصف، وإذن يكون ما على المحصنات المتزوجات جلدا قابلا للتنصيف، وإن هذا يدل بدلالة الإشارة أو الاقتضاء على أنه لَا رجم، ولذا
________
(١) رواه البخاري: الأدب - ستر المؤمن على نفسه (٥٦٠٨)، ومسلم: الزهد والرقائق - النهي عن هتك الإنسان ستر نفسه (٥٣٠٦). من رواية أبي هريرة رضي الله عنه.


الصفحة التالية
Icon