النصوح تنهي هذه العقوبة؛ لأدن التوبة المقبولة تجبُّ ما قبلها من المعاصي؛ ولأن استثناء التوبة في الآية:
(إِلَّا الَّذِين تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا) جاء بعد (لا تَقْبَلُوا)، والحكم بالفسق، فيشمل الاستثناء منهما لَا من أحدهما، ونحن نميل إلى ما فهمه الحنفية، أولا لأن النص على الأبدية يمنع الاستثناء؛ ولأن (وَأُوْلَئِكَ هُم الْفَاسِقُونَ) جملة مستقلة، والجملة " ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا " قد انتهت، فلا يتعلق الاستثناء بها، ولأن هذا هو الذي يلائم أنها عقوبة، ولأن إشاعة الفاحشة أعظم جرائم اللسان، فيجب أن تتعلق العقوبة به.
العقوبة الثالثة: الوصف بالفسق في قوله تعالى: (وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)، وهذه هي التي دخلها الاستثناء؛ لأنها في جملته والحكم بالفسق اقترن به الاستثناء، فخرج المستثنى من حكم المستثنى منه.
وشرط تحقق حد القذف، ألا يأتي من يرمي بالزنى بأربعة شهود هو منهم، وبعبارة أدق بثلاثة معه يقرون قوله، ولذا قال تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ) وكان التعبير في العطف بـ (ثم) الدالة على التراخي فيه إشارة إلى بعد الحصول على ثلاثة يشهدون معه، فإن إثبات الزنى بأربعة عسير، إلا أن يكون فعلا علنيا، ولا يحدث ذلك إلا في أفحش الأمم فجورا كأهل أوروبا وأمريكا.
والرمي - لكي يقام حد القذف - يجب أن يكون رميا صريحا بالزنى حتى يقول الفقهاء إنه رآه يضع إحليله في فرجها كما تضع الميل في المكحلة، أو نحو هذا التعبير.
ولو عَرَّضَ لَا يكون رميا بالزنى، ولو كان التعريض كالتصريح وضوحا، وقد رُمي المغيرة بن شعبة الذي صار نصيرا لمعاوية، فشهد ثلاثة من الأربعة بالرمي الصريح، وعرض زياد ابن أبيه الذي ألحقه معاوية بنسبه لم يصرح، فَعَدَّهُم عمر بن الخطاب الذي كان يقضي في الأمر بنفسه، قاذفين، وعاقبهم عقوبة الجلد.


الصفحة التالية
Icon