وما كان ذلك إلا ليحمل الناس الذين يرون تلك الجريمة البشعة ألا ينطقوا بها، حتى لَا تشيع الفاحشة في الذين آمنوا ويشيع الترامي بالزنى، فيستهين الناس به.
ثم قال الله تعالى في وصف القاذفين (... وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (٤) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥)
الإشارة إلى الذين يرمون المحصنات، والإشارة إلى الموصوف بصفة أو القائم بعمل، بين أن ذلك العمل هو سبب الحكم، فالقذف سبب الحكم بالفسق؛ لأنه في ذاته فسق في القول، وقد أكد سبحانه وتعالى الحكم بفسقهم أولا: بالجملة الاسمية، وثانيا: تضمير الفصل " هم "، وثالثا: بجعل الفسق وصفا لهم، ورابعا: بقصرهم على الفسق، أي أنهم لا يخرجون من الفسق، فهم في دائرته لَا يخرجون عنها، فهم في شر مستمر دائم لا يخرجون عن دائرته قط إلا إذا تابوا، ولذا قال تعالى:
(إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥)
الاستثناء من الحكم باستغراق الفسق؛ لأن رحمة الله تتسع للعصاة الذين أذنبوا، ولذلك ترفع عن القاذفين عقوبة عدم قبول شهادة، وإن ذلك هو الذي يتفق مع المتبادر من السياق البياني للقرآن الكريم؛ إذ إن الأمر بعدم قبول الشهادة في آية منفردة عن هذه الآية، وهي أمر بهذا العقاب معطوف على أمر بالعقاب البدني، وهما في جملتين إنشائيتين، والحكم بالفسق في جملة خبر.
والرأي الذي في المذهب الشافعي الذي يجيز قبول الشهادة إن تابوا، قال: إن الاستثناء من الآيتين معا، وقد قلنا: إننا نميل إلى رأي الجمهور في الاستثناء من الحكم بالفسق فقط، لذكر كلمة (أَبَدًا) وما كان قول الله لغوا، ولأنه المتبادر.
ولأن منع قبول الشهادة لحق الناس ولصيانة مجلس القضاء.
والاستثناء هو قوله تعالى: (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا) فالتوبة هي الإقلاع عن هذا والعزم على ألا يعود إليه، والندم على ما وقع، وذلك بالشعور بالحسرة لوقوعه، ولابد من الإصلاح بدل الإفساد والتخريب، فالذي تغير الفسق،


الصفحة التالية
Icon