الأمر للنبي - ﷺ -، وقد كان الرد الذي أمر الله تعالى به نبيه ليس مجاراة لهم، ولكنه بيان لافترائهم بإثبات نقيض الافتراء، وهو أن الذي أنزله على محمد - ﷺ - هو اللَّه الذي يعلم السر في السماوات والأرض، وهذا دليل إيجابي يثبت نقيض ما يفترون من ثلاثة وجوه.
أولها - أن الذي يعلم السر في السماوات والأرض يعلم ما خفي، وما خلق وما أنشأ، وليس بغريب عليه أن ينزل قرآنا كريما فيه الدليل القاطع على رسالة محمد - ﷺ -، وإن السر الذي في السماوات والأرض في خلق كل منهما وارتباط كل واحدة بالأخرى، وما يربط النجوم بعضها ببعض من جاذبية شديدة تجعلها بناء واحدا، وإمساك اللَّه تعالى للسماوات أن تزولا، ولئن زالتا إن أمسكها أحد من بعده.
ثانيها - أن من يعلم سر السماوات والأرض يستلزم أنه أوجدها، ومن أوجد السماوات والأرض ليس بغريب عليه أن ينزل قرآنا هو دليل رسالة محمد - ﷺ -، ومعجزته الكبرى.
ثالثها - أن الذي يعلم السر في السماوات والأرض يعلم كل شيء، فهو الذي يعلم نبيه القرآن، ولا يحتاج إلى من يملى عليه بكرة وأصيلا.
وننبه هنا إلى أمرين: أولهما - الدليل الذي يدل على أن اللَّه تعالى هو الذي أنزله، هو العجز بعد التحدي الشامخ.
الأمر الثاني - أن اللَّه تعالى الذي يعلم السر في السماوات والأرض فقال المفسرون: إنه ذكر السر، ومن يعلم السر يعلم بالأولى الظاهر البين، وذلك كلام حسن في ذاته، ولكن بدر إلينا أن معرفة السر في السماوات معناه السر في ارتباط أجزائها، وبنائها من غير عمد، وذلك وحده دليل القدرة الباهرة، وإشارة إلى التكوين العجيب في صنعه، وختم اللَّه تعالى الآية بفتح باب التوبة فقال: (إِنَهُ كَانَ غَفُورًا رّحِيمًا)، أي أنه سبحانه وتعالى يغفر للتائبين ويرحمهم.
* * *


الصفحة التالية
Icon