(لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ)، أى هلا أُنزل منضما إليه ملك (فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا)، الفاء فاء السببية التي ينصب الفعل بعدها، ومعنى السياق هلا ضم إليه
وأنزل من عند اللَّه ملك، فيكون معه منذرا.
(أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (٨)
تدرجوا في الادعاء من أعلى إلى أدنى فاشترطوا لاتباعه أن يكون منضما إليه ملك ليكون معه نذيرا، فيكون الملك شاهدا بصدق الرسالة، ومن قبل طلبوا أن يكون معه قرطاس، أو أن يكون الرسول ملكا، وقد رد اللَّه تعالى كلامهم، وأنهم لَا يؤمنون ويقولون هذا سحر مبين، (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ).
وقد نزلوا عن اشتراط أن يكون معه ملك إلى أمر آخر يمنع أن يمشي في الأسواق بأن يغنيه عن ذلك شأن الكبراء، بأن يلقى إليه، أي يعطى كنزا يغنيه، وصر عن إعطاء الكنز بكلمة يلقى إليه للإشارة إلى أن هذا العطاء لَا يكلف من أرسله شيئا؛ لأنه إلقاء من خزائن اللَّه تعالى، وقد كانوا يعرفون اللَّه ولا يعبدونه، فيعرفون أن معه خزائن السماوات والأرض، ويكون بهذا الكنز كملوك أهل الأرض فلا ينزل إلى الأسواق كما ينزل دهماء الناس والفقراء.
وتنزلوا من مرتبة الملوك إلى مرتبة أتباعها وحواشيهم، الذين يمنحهم الملك الحدائق والمزارع، فقالوا: (أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا)، أي بستان يغنيه بثماره وغلاته، فيأكل منها بدل أن ينزل الأسواق.
وإن هذا بلا ريب نظرات ناس ماديين لَا يؤمنون بالروح، ولا بالمعاني الإنسانية العالية، إنما يؤمنون بالمادة وحدها، والعلو عندهم بالسيطرة الممكنة من لذائذ هذه الحياة، إما بملك قاهر، أو بمتع يلقيها إليهم ملوك قاهرون.
ولكنهم يرون في محمد - ﷺ - ما ليس عند الملوك وحواشيهم، يرون القرآن