أن كفرهم بالبعث والنشور هو سبب ضلالهم؛ لأنهم لم يؤمنوا بالبعث، ولم يؤمنوا بالغيب، فكانت حياتهم كلها مادية، لَا رجاء بعدها، فكان منهم الإيمان بالمادة وحدها.
والساعة هي يوم القيامة، وسميت الساعة؛ لأنها يكون فيها الفصل بين الحق والباطل، والحساب الكامل والجزاء الوفاق للعمل، بجنة النعيم، أو بنار الجحيم، وكل ذلك في ساعة، وهي الساعة الكاملة لكثرة ما يكون من أحداث تتعلق بمصير البشرية، وهي ساعة الفصل، فالألف واللام تدل على الكمال، أي أنها الساعة الجديرة بأن تسمى الساعة.
(وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا)، أي هيأنا للذين كذبوا بالساعة نارا ملتهبة كبيرة، تشتد في لهيبها تفزع وترعب من رآها، ويحترق بها من يدخلها، وأعتدنا معناها أعددنا وهيأنا، وكررت الساعة وكان الإظهار في موضع الإضمار أولا للإفزاع والنكير على من أنكر الساعة وكذب الخبر بها، ولبيان أن السبب في السعير هو التكذيب، لأنه كفر في ذاته، ولأنه أدى إلى الجحود المستمر.
وقد وصف اللَّه سبحانه هول السعير، وشدتها، فقال:
(إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا (١٢)
معنى (إِذَا رَأَتْهُم) على ما يقول المفسرون، وإذا كانت على مرأى منهم كأنها تراهم ويرونها، من مكان بعيد، أي وكانت الرؤية من مكان ليس بالقريب، ولكنها بعيد بالنسبة للرؤية وللسمع (سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا)، أي هياجا شديدا يكاد مع البعد لهولها، والتغيظ وهو بدو الغيظ الشديد، والهياج العنيف الذي يتقلص الوجه له، والزفير تردد النفس حتى تنتفخ الضلوع منه.
وإني أرى أن السعير شبهت بالإنسان الذي يرمى ويتغيظ ويزفر، ويحس ويشعر، إذا رأى شخصا يريد عقابه، فإنه يتغيظ ويزفر، والمعنى أن السعير تستعد وتتهيا هائجة، لمجيء العصاة إليها، ويسمعون ما يشبه التغيظ والزفير من مكان بعيد.