الكلام موصول في بيان أحوال المشركين، وتعلاتهم في كفرهم بالرسول - ﷺ - ومعجزاته وخصوصا القرآن الذي هو أعظم المعجزات التي جاء بها الرسل، وهو المعجزة الباقية التي تتحدى الأجيال أن يأتوا بمثلها إلى يوم القيامة، وفي هذه الآية
(وَقَالَ الَّذِينَ لَا يرْجُونَ لِقَاءَنَا...) يشير سبحانه إلى السبب في كفرِهم وجحودهم بكل شيء، وهو أنهم لَا يرجون لقاء اللَّه تعالى فقال سبحانه: (وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا (٢١).
لا يرجون لقاءنا، أي ينكرون لقاء اللَّه تعالى ولا يؤمنون، وأن لهم هذه الحياة التي يعيشونها في الدنيا، ولا يؤمنون بغيرها، وعبر سبحانه عن عدم إيمانهم باليوم الآخر ولقائه بقوله: (لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا)، أي لَا يطمعون ولا يأملون في لقائنا، للإشارة إلى أن الإيمان باليوم الآخر فيه رجاء الخير، فمن يؤمن به يرجو الخير، لأنه يعلم أن هناك جزاء، وأن أعماله ليست هباء، فإذا كان متعبا في هذه شقيا فيها، كان رجاء العوض يوم البعث، فينال الخير بدل الحياة الشاقة التي يعيشها، فالمؤمن له رجاء، والكافر بالبعث حاسر، وأضاف اللقاء إليه سبحانه؛ لأنه مفرج الكروب، والمجازي سبحانه بالخير خيرا، وبالشر شرا، وفيه إيناس بأن من يرجو لقاء الله، إنما يرجو لقاء السند القوي، ومن يكفر به، يعدم ذلك السند الذي لَا يعتمد عليه غيره، سبحانه عظمت آلاؤه، والتعبير بالموصول: (الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا) فيه إشارة إلى أن السبب في لجاجتهم في الكفر وإنكارهم للمعجزات، وعدم تعقلهم للحقائق هو أنهم لَا يرجون لقاء الله، ولو رجوا لقاء اللَّه، لعملوا حساب هذا اللقاء واهتدوا بدل الكفران.
(لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا).
لولا للتحريض، أي هلا أنزل علينا الملائكة، يخبرون برسالة اللَّه تعالى لهم، ولا يجيئنا واحد منا يأكل مما نأكل ويمشي في الأسواق كما نمشي، فهذا تحريض على أن يكون ملائكة، أو نرى ربنا، أو تقول لولا - حرف شرط امتناع أي


الصفحة التالية
Icon