كوة مفتوحة، وقد روي عن علي كرم اللَّه وجهه أن الهباء المنثور هو شعاع الشمس الذي يبدو من الكوة، ويراد بالهباء ذرات التراب التي لَا تظهر إلا في الضوء الساطع من الكوة لدقته، والمنثور معناه الفرق في الهواء وكأنَّه لَا وجود له، أو لا يُحس بالبصر متميزا عن غيره.
وقوله تعالى: (وَقَدِمْنَا)، أي عمدنا إلى ما عملوا من عمل يرونه برا يكافئون عليه، فجعلناه كالهباء المفرق في الهواء لَا يرى؛ ذلك لأن البر إنما يكون مع النية المحتسبة عند اللَّه، وهؤلاء ليست لهم نية محتسبة لأنهم لَا يعبدون اللَّه، بل يعبدون الأوثان، ولا يرجون سواها، فهم آثمون بعملهم لفساد نياتهم. هذه حال المشركين فيما يعملون من أعمال يحسبون أن فيها خيرا، وهي ضلال في ضلال لفساد النية، أما الذين لهم البشرَى فهم أصحاب الجنة.
(أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا (٢٤)
أصحاب الجنة هم المتقون كقوله تعالى (أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ) وعبر سبحانه عن المتقين بأنهم أصحاب الجنة، أي الذين اختصوا بها ويلازمونها، كما اختصت بملازمتهم، وأفعل التفضيل ليس على بابه لأنه لَا خير لغيرهم يفاضلون به بينهم وبين أهل الجنة، إنما المعنى الظاهر أن أصحاب الجنة أتاهم في الاستقرار والبقاء خير لَا يقادر قدره، ولا علو لغيره، ولا يعلوه شيء في الوجود، والمقيل اسم مكان من قال يقيل، أي أنه استراح في القيلولة، وأفعل التفضيل على غير بابه، أي أن لهم استراحة في وقت القيلولة، ليس هناك ما يماثلها في حسنها وراحتها، وعبر عن راحة الجنة باستراحة وقت القيلولة؛ لأن الراحة في هذا الوقت تكون متعة في ذاتها، وقد شبهت راحة الجنة بهذه الراحة لحسنها، ومتعتها؛ ولأن الجنة مقابلة بالنار، فكانت كأنها الراحة في وسط القيلولة، أي أن المجرمين في وقت راحة الجنة واستمتاعهم يكونون في ستار من الجحيم، وعذاب الخلد.