(وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا (٢٥)
(وَيَوْمَ تَشقَّقُ) معطوفة على قوله تعالى: (يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ) أي في هذا اليوم الذي تنزل الملائكة ويرونها، وهي تعويل لهم، يكون معه يوم آخر، وهو يوم تشقق السماء بالغمام، تشقق أصلها تتشقق حذفت إحدى التاءين تخفيفا، كقوله تعالى: (تَلَظَّى) والباء هنا للملاصقة أو الظرفية، أي تشقق السماء بتشقق الغمام، وهذا كناية عن أن السماء تضطرب، وتتقطع أجزاؤها، وهذا كقوله تعالى: (إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ)، وكقوله تعالى: (إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ (١) وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ (٢) وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ (٣) وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (٤)، والمعنى إذا اضطرب الكون بما فيه ومن فيه يكون يوم البعث، وفي هذه الحال تنزل الملائكة فوجا بعد فوج للحساب وتقرير المصير إلى النعيم أو الجحيم، ولذا قال تعالى: (وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنزِيلًا) والتنزيل النزول فريقا بعد فريق، أي أنه لَا يكون حساب واحد، بل حساب بعد حساب، ومن شدد عليه الحساب عذب، وهذه الآية في معناها كقوله تعالى: (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ..).
وإن هذه الآية وأشباهها في سموها ومعانيها تهديد بيوم البعث الذي أنكروه، وإنه يوم يضطرب فيه الكون، ويكون فيه الهول، وإن السلطان حينئذ يكون للَّه تعالى وحده، ولذا قال عز من قائل:
(الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا (٢٦)
(الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ)، أي السلطان الكامل، ودل على الكمال بـ (ال) الدال على كمال الاستغراق كأنه لَا ملك غيره، ولا يسمى ملكا سواه، ووصفه سبحانه وتعالى بأنه الحق، أي الثابت الذي لَا يتخلف حكمه، ولا يكون لغيره أبدا.
وهذا الملك الثابت الكامل (لِلرَّحْمَنِ) جلت رحمته، ووصف اللَّه تعالى هنا بصفة الرحمن مع أن ذلك اليوم شديد عسير على الكافرين، كما سيذكر