وغيظه وندمه على أن فاته وقت العمل، وقد ووجه بعاقبة ما أهمل، وإنكاره ليوم البعث الذي رآه رأي العين، وشاهده وهو الآن يلقى ويلاته وآلامه.
ولسان حاله يقول: (يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا) ويا هنا ليست للنداء، ولكنها للتنبيه على ما يتمناه نفسه وقد فات وقت الأماني، وتمنى الأماني، وقد فات وقتها، وسجل عليه فواتها، أو نقول إن يا للنداء، وتنادى فيه الأماني التي فاتته نادما، ولات حتى يندم.
والأمنية التي كان يتمناها، وهي قوله: (اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا)، أي لم أفارقه، ولم أعانده، ولم أكذبه، وقد كان الصديق الأمين، والرسول هو محمد - ﷺ -، وإن البيان كمال شخصه ورسالته، ومعنى (اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا) أي سرت في مساره غير مفارق سبيله الذي اختار، وتنكير سبيلا للإشارة إلى كرم طريق الرسالة والهداية الذي فارقه، ولم يسر فيه، بل ضل عنه ضلالا بعيدا.
والظالم هو من اتصف بالظلم في عبادته فأشرك، وإن الشرك لظلم عظيم، أو آذى المؤمنين أو كان يعثوا في الأرض فسادا، فليس المراد شخصا أو أشخاصا، وإن كانت الآية قد اقترن نزولها بظلمهم.
(يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (٢٨) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا (٢٩)
ويلتا: الألف مقلوبة عن ياء المتكلم، والويلة بمعنى الهلاك، فهو ينادي هلاكه الذي نزل به، وذلك للشعور بما نزل به، فكأنه ينادي بهلاكه إيماء إلى نزوله به، وكأنَّه يناديه تحسرا، وكأنه يقول يا هلاكي أقبل فهذا وقتك، فإنك نازل لا محالة، وفيه إشعار بأنه يستحقه، ولقد كان في الآية السابقة يتمنى أن يتخذ مع الرسول السبيل الجيد المستقيم، فهنا يتمنى أنه لم يتخذ فلانا خليلا صادقا يخاله ويوده، ويقترن به ويتبعه، ليت وهل ينفع شيئا ليت، وفلان كناية عن صاحبه وأصحابه، ويتمنى أن لو كان لم يتخذهم أخلاء له، ويتحقق قوله تعالى:
(الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (٦٧).