وهذه الآية وان كان موضوعها في اليوم الآخر، يشير إلى سبب الفساد بين الناس في دار الابتلاء، والسبب يتلخص في أمرين: أولهما - صحبة السوء، فإن صاحب السوء أخو الشيطان يسهل للشيطان سبيله، ثانيهما - الرأي الفاسد، فإنه يكثر فيه خلان السوء ودعاة الشر، والتخذيل عن الخير، ولقد قال سبحانه في وصف خليل السوء،
(لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي... (٢٩)
اللام واقعة في جواب
قسم مقدر، وهي والقسم المقدر تفيدان التوكيد، وقد تفيد التوكيد أيضا، و (أَضَلَّنِي) أي أبعدني وأوقعني في الضلالة منصرفا عن الذكر الذي يذكرني بربى وهو القرآن والنبي - ﷺ -، وما اشتمل قوله - عليه السلام - من تذكير باللَّه والإيمان، فالذكر يشمل القرآن والنبي، وما اشتملت عليه الدعوة المحمدية من تذكر مستمر باللَّه تعالى، فقرين السوء أبعده عن الحق والتذكير به إبعادا تاما.
وحَدُّ وقت الذكر، وهو وقت مجيئه الذي يكون فيه الهدى والضلال، وفي ذكر هذا الوقت إيذان بأنه قد جاء المذكر، ولم يجب داعيه، وإيذان أيضا بأنه لا سبيل له إلى استعادة ما فات، وتغليظ لفساد صحبة صاحبه.
وقوله تعالى: (وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا) هذه الجملة السامية من كلام اللَّه تعالى وأحكامه من كلام الذي يقول: (لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فلانًا خَلِيلًا).
فإن كانت من كلام اللَّه تعالى فهو سبحانه وتعالى يقرر حقيقة ثابتة في الناس، والشيطان هنا هو الخليل، لذي يدعو إلى السوء؛ لأنه يكون كالشيطان تسري نفثاته في نفسه كما تسري نفثات الشيطان، والشيطان خذول للإنسان يخذله عن السير في طريق الخير وهدايته.
وعلى أن هذا من كلام الكافر يوم القيامة، يكون رميا لخليله الذي أضله بأنه كالشيطان أفسد قلبه وإدراكه وخذله عن أن يسلك مسلك النبي - ﷺ -، ويتخذ سبيله - ﷺ - الحق والذكر والمعرفة، والهداية والبعد عن الضلال، وخَذُول صيغة مبالغة من خاذل، وهو الذي يجعل الشخص المقدم على أمر يتردد فيه ولا يفعله، والمراد هنا هو التخذيل عن فعل الخير، وسلوك الطريق الأقوم، والأهدى سبيلا.