فبين اللَّه تعالى الحكمة واضحة نيرة موضحة مفسرة وقال:
(وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا (٣٣)
إنهم قد سدت عليهم المسالك كشأن كل مبطل يريد أن يثير لجاجة في القول والريب حول حقيقة ثابتة لَا مجال للريب فيها، فهم أنكروا أن يكون آية وطلبوا غيره مع عجز صارخ عن أن يأتوا بمثله، وجاءوا بعد إلى أمر شكلي حوله يريدون أن يتخذوا منه سبيلا لأن يقولوا إن محمدا اصطنعه اصطناعا بعد أن قالوا: إنه أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا، قالوا لماذا لَا ينزل جملة واحدة، فبين اللَّه تعالى حكمته العليا في أنه نزل مفرقا، وقال (وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا) المثل الحال والصورة، أي لَا يأتونك بحال يتوهمون أنها تلقي بريب أو شك، إلا جئناك بالأمر الثابت الذي لَا ريب فيه، فيلقمهم الحجة ويزداد الحق نصوعا وسطوعا وبيانا يقطع جهيزة كل متكلم، (وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا) أفعل التفضيل ليس على بابه، لأنهم ليس لهم تفسير للحقائق حتى يكون بيان القرآن أحسن منه، إنما الظاهر أن بيان الحقائق في القرآن لَا يوجد بيان أعلى منه ولا أجمل ولا أوضح، فالتفسير البيان، وكان الله سخرهم باعتراضهم لتزداد حجة النبي - ﷺ - وضوحا، والله عليم حكيم، وقد ذكر سبحانه من بعد ذلك عاقبة لجاجتهم، فقال:
(الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلًا (٣٤)
موضع (الَّذِينَ ئحْشَرُونَ) النصب على الاختصاص، وبيان عاقبة أمرهم بعد هذا الذي يثيرونه حول الحجة الكبرى للرسالة الخالدة إلى يوم القيامة، وقد عبر سبحانه عن حشرهم يوم القيامة بصورة تجعل القارئ يدرك منها مقدار المهانة التي تلحقهم يوم الحشر، الذي كانوا ينكرونه ويبالغون في إنكاره، إذ إنهم يقلبون على وجوههم التي كانت لَا تتجه في الدنيا إلا إلى الأسفل، فهم يسحبون سحبا، ويجرون جرا على وجوههم، وهذا يشير إلى أنهم يساقون ولا يكون لهم اختيار، ويساقون على أقبح حال، فبدل ما كان يدَّعون لأنفسهم في الدنيا من سيطرة،